دفع السفير الأمريكي بليبيا حياته ثمنا للفيلم الخطير، ودخلت السلطات الليبية في حرج كبير، لم تجد معه سوى تشجيع التظاهرات التي تدين الفيلم .. وتدين أيضا (الإرهاب)، وهو الكلمة التي قصدوا بها تحديدا .. قتل السفير ! السلطات المصرية (الإسلامية) .. وجدت نفسها أيضا في وجه العاصفة، فالسلطة ليست نزهة .. لكنها مواقف عصيبة حقيقية .. تكون محكا بين ما يتم الترويج له أثناء الانتخابات، وما يتم تنفيذه فعليا تجاه الأزمات. فضاع التعاطف الشعبي بين (الواجب)، والغضبة، واضطرت السلطات لقمع المتظاهرين المتحرقين للفتك بالسفارة الأمريكية وقاطنيها في القاهرة، كما سارعت الجهات القبطية لإدانة الفيلم، ربما إخمادا للمزيد من الحرائق التي لاحت، بعد تورط أقباط مقيمين في أمريكا بإنتاج الفيلم الكارثة ! العالم كله تشرذم، فئة ترى أن السلطات الأمريكية ليست ضالعة بأي شكل فيما جرى، فلا أوباما هو الذي أنتج الفيلم، ولا القوانين الأمريكية تمنع مثل هذه الأعمال، لتبقى الغضبة تجاه أمريكا .. توجيها خاطئا للسهم .. اصاب سفير أمريكا في ليبيا .. وأودى بحياته .. رغم أن قناعاته الشخصية قد تكون مثل كثير من الأمريكيين .. رافضة للفيلم .. ومناوئة له من الألف للياء ! فئات أخرى عبرت عن غضب كاسح تجاه أمريكا .. فهي ترى أن الأمر هنا يتعلق بنبي الإسلام عليه الصلاة والسلام، وأن أمريكا تاريخها سافر في تأجيج المشاعر العربية والإسلامية ضدها .. بدءا من مواقفها المتهالكة حبا لإسرائيل، مرورا بتداعيات تدخلاتها السافرة في العراق، ومن قبل في الصومال، وفي أفغانستان، وانتهاء بسياسات الكيل بمكيالين في كل شأن دولي .. يتعلق بالعرب أو المسلمين . المشهد في هيئته العامة بدا على صورتين : صورة الغضبة الشعبية على الفيلم، والتي قد تجد متنفسها في السعي لسحق كل ما هو أمريكي، بغض النظر عن رؤية الأمريكيين أنفسهم لقضايا العرب والمسلمين، ومعتقداتهم، وبغض النظر عن وجود أكثر من ستة ملايين مسلم أمريكي يتعاطفون مع قضايا الإسلام .. ولا يرضون، بالضرورة، الأذى لدولتهم الكبيرة . والصورة الثانية في سلطات وجدت نفسها في وجه المدفع، فالشارع الهائج يحس بغضبة حقيقية ومبررة تجاه ما يعكسه الفيلم من إساءات وبذاءات، وقد تتعدى الغضبة مجرد التنفيس .. إلى ما يشبه النفرة الجهادية .. والتي يجد بعض النافخين لنار الأزمات فرصتهم فيها، لأجندة يعلمونها هم . والسلطات مربوطة بقوانين، واتفاقيات، وأعراف دولية وإقليمية .. لا يمكن أن تحيد عنها .. حتى لو اضطرت لمواجهة شعوبها وإراقة بعض دمائهم .. وهي التي جاءت محمولة على أكتاف تلك الشعوب .. لتعتلي سدة الحكم عن طريق الاقتراع أو غيره. خطأ أمريكا .. أن مفاهيم الحرية فيها منفلتة .. للدرجة التي قد تقود الدولة الكبرى لمواجهات وصراعات ستكون أثمانها فادحة على الجميع دون استثناء. وخطأ الشعوب .. أنها تنفلت حين تغضب، فتخسر حتى أصدقاءها والمتعاطفين معها بسبب سهامها الطائشة بلا رؤية أو حساب. وخطأ السلطات .. أنها تجيد مسك العصاة من المنتصف، إسلامية كانت، أو علمانية، أو غيرها، حيث يبقى الكرسي هو الكرسي، وحيث تبقى ردة الفعل هي نفسها .. مترددة، باهتة، ضبابية .. انتظارا لهدوء العاصفة وانحسارها .