حالة إحساس بالتقصير انتابتني، وكنت أظن أن ما نقدمه من خلال الصحافة يكفي لأداء ضريبة الوطن، فإذا بي أحس بضآلة ما نقدم .. قياسا بعطاء آخرين يعملون في صمت، ويقدمون خدمات تسعى للحفاظ على الأرواح، دون انتظار جزاء ولا شكور من أحد . أمس .. كنت ضمن الحاضرين لتنوير إعلامي، قدمه الدكتور الشاب حسين عوض الكريم .. اختصاصي علاج الأورام، ومدير مركز الخرطوم التخصصي للأورام، حول سرطان الثدي في السودان . التنوير كشف أن هناك جهدا تراكميا مبكرا ظل يجري في الوطن بشأن سرطان الثدي، كما كشف أن المبادرة بالفحص الروتيني للثدي ترفع نسبة الشفاء التام في حالة الاكتشاف المبكر للأورام لتصبح 97%، بما يعني أن الشفاء مضمون بحول الله وقوته . المشاركات المتعددة من جانب الكوادر الطبية، ومنهم البروفيسور كمال حمد، أظهرت جوانب علمية وإنسانية، وعكست تجارب رائدة لم تنحصر في العاصمة وتخومها، بل امتدت لقطاعات أخرى متعددة في السودان، وكلها كانت تبحث في مجال الأورام، وتسعى لتكوين قاعدة بيانات تخدم الجهد السوداني في مجال مكافحة المرض وقايةً وعلاجاً، كما يمكن الإفادة منها والإضافة إليها عبر الأجيال . ما يجعل الحديث عن سرطان الثدي مهماً، هو ما بتنا نلحظه من تزايد ملحوظ في الحالات، والتي باتت تغزو بيوتنا ، وأسرنا، وعوائلنا، وهي حالات تنتشر بالفعل، لكنها قابلة للمحاصرة، والشفاء، فقط بجهد بسيط يحتاج للوعي أولا، وللمبادرة الشخصية من أخواتنا وزوجاتنا وبناتنا، فيتم الاكتشاف المبكر للمرض حال حدوثه، ويصبح الشفاء وتجاوز الآلام اللاحقة أمرا ممكنا بشدة، بحول الله وقوته . أرقام الشفاء العالية من أورام الثدي، والتي تصاحب الاكتشاف المبكر للمرض، تجعل من الضرورة أن يكون الحديث عن المرض ملفا مفتوحا داخل كل أسرة، فالمرض حين يستفحل يتهدد حياة (العزيزات) دون استثناء، وكم نحب هؤلاء العزيزات، وكم نحتاجهن في حياتنا ، وهن نصفنا الآخر الذي لا تستقيم الحياة أبدا دون وجوده . بقاء الملف الخاص بأورام الثدي مفتوحا، يتيح بث الوعي الكامل لدى الأسر في كل مكان بضرورة الفحص المبكر، ويمهد الطريق أمام ذوبان الحرج غير المبرر من التحدث في هذه الجوانب، كما أنه يذيب كثيرا من الرهبة المصاحبة لاحتمالية حدوث الإصابة، بعد أن أصبح الشفاء مضمونا في حال الاكتشاف المبكر للداء . ومع الدور المجتمعي المفترض لمحاصرة المرض، تبقى المبادرة الأولى بيد المرأة نفسها، لأنها هي المعنية باكتشاف ما يحدث من تغيرات في جسدها، وهي التي بيدها التحرك لاستشارة الكوادر الطبية سواء على مستوى مراكز الرعاية الأولية، أو المستويات الأعلى، وكلهم قادرون على تقديم المشورة الطبية المتخصصة، والتوجيه السليم لما يمكن اتخاذه من خطوات وإجراءات . لقد كانت الجلسة التنويرية ثرية، وجاءت المداخلات من الزملاء الإعلاميين والإعلاميات متميزة، وقد تقدم زميلنا محمد مبروك، مستشار أول التحرير في الزميلة (أخبار اليوم) بمقترح لتكوين أصدقاء لمركز الخرطوم التخصصي للأورام في مجال أورام الثدي تحديدا، ليكون أعضاؤه من أهل الصحافة والإعلام. شكرا للجهد الوطني الكبير الذي يقوم به نفر من كوادرنا الطبية المتميزة في صبر وأناة وتضحية ونكران ذات، وحمى الله حواء السودان من كل شر .