الحمد لله، فالتغيرات في الأذواق والموضة .. تماشت مع أوضاع الناس .. حتى يتمكنوا، ربما، من مد أرجلهم على قدر لحافهم الذي يقصر كل يوم دون توقف ! حواء السودانية، والتي كانت في أيام العز الأكثر احتفاء بالذهب، وبالغوايش، وب (أحفظ مالك) حين كان للناس مال .. لم تعد تحفل كثيرا بالذهب، ولم يعد من مظاهر زينتها أن تملأ يدها بالغوايش على طول ساعدها، والسبب أن الذوق بدأ يميل للأكسسوارات الخفيفة، والسلاسل غير المعقدة في شكلها ووزنها، والخواتم خفيفة الظل والوزن .. والأسورة من وزن الريشة فما دون ! تغير الأذواق، بغض النظر عن دوافعه، نزل بردا وسلاما على عرسان اليوم، حيث لم يعودوا بحاجة للضغط على الميزانية .. وشراء الذهب الغالي بالكثير من المال، ولم تعد الأسر تدخر الذهب لإهدائه إلى بناتهم عند الزواج، فأصبح القليل منه كافيا لإكمال زينة العروس، ولو أراد البعض (الفشخرة)، ففي الذهب الفالصو ما يغني ! لكن تقلص الإقبال على الذهب في الزينة .. لا يعني تراجع الاهتمام بالذهب في جمال الخزينة (!)، فما زال لعاب الحكومة يسيل للذهب، وهي مستعدة لشراء أي كميات منه، ومن ثم تصديره .. إكراما لعيون الدولار ! أخبار الأمس .. حملت تفاصيل عن هذا الأمر، حيث أعلنت وزارة المعادن أن صادرات الذهب السوداني وصلت إلى 72% من صادرات البلاد، وأن انتاج الذهب وصل الى (36) طناً بما يقارب ملياري دولار. وزير المعادن، كمال عبد اللطيف، أشار إلى أن التعدين أصبح يمثل القطاع الاقتصادي الأول، ما يعني وهذه من صويحبكم الشاطرابي أن قطاع الثروة الحيوانية المجتهد أصبح في (الباي باي)، مثلما سبقه القطاع الزراعي .. الذي كان من الواجب أن يكون رأس الحربة في الاقتصاد .. ولكن وا حسرتاه !! للأسف، قطاعات التعدين قطاعات ناضبة، ولا بد أن يأتي يوم لتنفد فيه المخزونات الموجودة في باطن الأرض من المعادن، ونسمع عن أن العالم سيشهد خلال العقود القليلة القادمة .. نفاد كل المخزون الأرضي من الحديد، ولا نعرف إن كان قطاع التعدين يمكن أن يصبح بديلا لقطاعات غير ناضبة، يمكن لها أن تتجدد وتنمو وتتسع، كالقطاعات الزراعية وقطاعات الثروة الحيوانية في السودان . لكن ذلك لا يمنعنا من الاحتفاء، فوجود قطاع يتحمل جزءا من تسكين الكوارث الاقتصادية التي حاقت بالبلاد، ويسعى لتقليل النزيف الذي انفجر، هو أمر يجعلنا نرسم ابتسامة في الوجه الحزين .. فشيء يسير .. خير من لا شيء أبدا ! وعلى ذلك، فنحن في حاجة للجوء إلى كل مورد، لنلطف من الضوائق، ولنجعل من حياة الناس أخف في وطأتها، حيث لم يعد من مجال سوى الالتفات لكل مجال، لتستمر سفينة الحياة في إبحارها . حواء السودان، والتي لا تحتفي حواء أخرى مثلها بالذهب كما أزعم، لن تنافس الحكومة في الشراء، فالموضات تجاوزت الزينة الذهبية، والقروش أصبحت تذهب لتوفير اللقمة .. لا لشراء الأسورة .. والغوايش ! هنيئا للحكومة العمل الإسعافي الذي تؤديه وزارة المعادن، وشكرا لحواء السودان على عدم المزاحمة .. حتى لو كان ذلك اتساقا مع الموضة .. أو إذعانا لواقع الحال !