نشاط مُكثفٌ على مختلف المستويات محوره مؤتمرات الحركة الإسلامية السودانية توطئة لعقد المؤتمر العام الثامن في نوفمبر القادم.. عادة ما تُسيّطر على هذه المؤتمرات قضايا فكرية وتنظيمية تسبح في سماواتها (انتلجسيا) الحركة وهي كوادر ذات ثقافة عالية.. لكن "عثمان محمد يوسف كِبر" والي شمال دارفور خالف هذه العادة وألقى حجراً في المياه الساكنة طارحاً موضوعاً اجتماعياً حساساً.. "كِبر" كشف لدى مخاطبته الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحركة الإسلامية بالفاشر الماضية عن تسرب أقراص مهلوسة تسمى ب(الطفل الهارب) وسط الشباب تعمل على خلق الاكتئاب النفسي وانهيار قوة الشباب البدنية وتؤثر على الرجولة.. لعل تصويب "كِبر" كان دقيقاً وأصاب كبد المشكلة وغير مجرى النقاش النخبوي التقليدي.. لعل صرخة "كِبر" المدوية تلفت قليلاً الحكومة المركزية التي تصمُّ آذانها هذه الأيام طبول الفرح المفتعل باتفاقية (الانبهالة) المسماة باتفاقية التعاون المشترك مع دولة الجنوب المعتدية.. "كِبر" حذّر من الثمن الغالي الذي يدفعه الشباب جراء تعاطي المخدرات والخمور.. "كِبر" قائل أنه ترك كل شيئ وأخذ يركّز جهوده على تطهير المجتمع من الخمور والمخدرات.. قبل أسابيع أعلنت وزارة الداخلية أن نسبة تعاطي هذه السموم في ارتفاع وبلغ من تعاظمها أنها تجاوزت نسبة (300%)، ومع ذلك لا حياة لمن تنادي.. طبعاً الأولوية هذه الأيام للحريات الأربع التي يريد "إدريس محمد عبد القادر" كبير مفاوضي السودان أن تبلغ الأربعين حرية؟!.. إن شاء الله مع الحريات الأربع تزيد نسبة تعاطي المخدرات بمتوالية هندسية!!.. السؤال موجه بصفة خاصة إلى الحركة الإسلامية وقد (قِنعنا من خيراً) في الحكومة المشغولة و(المنبهلة)، أين البرامج الدعوية وبرامج تزكية النفوس؟.. أليس (التقاعس) عن القيام بها سبباً مهماً في انحراف الشباب ووقوعهم في مصيدة المخدرات؟.. إن لم تقم الحركة الإسلامية بدورها الاجتماعي الدعوي فلا فائدة من النقاش والتداول النخبوي والغرق في قضايا فكرية لا تلامس الواقع (المزري).. دعوا كلام (المثقفاتية) وأنزلوا إلى الشارع ووطئوا أكنافكم لحل القضايا المجتمعية التي تكاد تعصف بالمجتمع وتنسفه من القواعد.. الحركة الاسلامية اليوم مثل ذلك المتشاعر الذي يريد أن يقنع نفسه بأنه شاعر والظلام والسكون رومانسيته ويترقب هبوط الوحي في صومعة دون باب أو نوافذ أو مجرد جدران.. لن يهبط وحي النجاح والفلاح على الحركة الإسلامية هكذا دون أن تغبر رجليها وتلتصق بالمجتمع.. لابد أن تكون القضية المحورية داخل أروقة مؤتمرات الحركة وكذا مؤتمرها العام، أن كيف السبيل إلى النزول إلى الشارع وبسط مبادئها لتسري دماً حاراً في أوصال المجتمع العليل.. قبل عدة أعوام كنت وبعض النفر في زيارة دون موعد ودون سابق انذار لمنزل شيخ الحركة الإسلامية الدكتور "حسن الترابي" واستمرت الزيارة زهاء الثلاث ساعات على غير ما قدر لها باعتبارها معايدة قد لا تزيد عن ربع ساعة وتحدث كثيرا عن أخطاء التجربة السودانية، مشيراً إلى أن ما أسماها بفتنة السلطان كانت قاصمة الظهر وفرقت بين أعضاء الحركة الواحدة.. "الترابي" اعترف بأن (الإنقاذ) في ظل وجوده أفرغت الجامعات من أعضاء الحركة ورمت بهم في المواقع الحكومية المختلفة فخلت ساحة الجامعات للتيارات السلفية واليسارية.. "الترابي" يرى اليوم أن الجامعات لم تعد مفرخة لكوادر الحركة، وأصبحت هناك حلقة مفقودة، فليس هنالك مورد لكوادر حركية قوية وفاعلة. ظل يردد أنه ليس إلا ناصحاً أميناً للحكومة في كل نقده معتبراً أن ذلك واجب ديني. • آخر الكلام: في مؤتمر الحركة الإسلامية بولاية الخرطوم أمس كان الحضور لافتاً والتنظيم على درجة معقولة.. أهمية مؤتمر ولاية الخرطوم تكمن في أنه (بروفة) للمؤتمر العام أي بعد حوالي شهر تقريباً.. كان مدهشاً أن يستفز ممثل السلفيين مشاعر كوادر الحركة الإسلامية لتتفاعل معه بشكل لافت وهذا ما لم يتوفر لأي من قيادات الحركة التي تحدثت دون أن تلامس القضايا الأساسية.. الرجل طرح مساءل ملحة مطالباً بتطبيق شرع الله الذي أعتبره غير مطبق.. كم ارتفعت الأصوات عالياً مرددت ذلك الشعار الآخاذ (هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه).. تردد ذلك الشعار عالياً في حضرة أصحاب السلطة التنفيذية والتنظمية.. "عبد الرحمن الخضر" والي ولاية الخرطوم والذي أشفق عليه كثيراً هذه الأيام ردد منفعلاً لقد وجدنا أنفسنا في موقع السلطة بدفع من إخواننا وليس رغبة منا، فإن أحسنا فمن الله، وإن أخطأنا فمن أنفسنا والشيطان.