لم نفق حتى الآن من صدمة رحيل عدد من خيرة أبناء السودان في أول أيام عيد الفطر المبارك عندما اصطدمت طائرة الأنتنوف بجبل النار كادوقلي وراح ضحيتها وزير الثقافة والإعلام "غازي الصادق" ومعتمد بحري وعدد من الضباط والقيادات التي كانت تمني النفس بأداء صلاة العيد مع الأهل كادوقلي. فها نحن، وقبل أن يحل علينا عيد الأضحى المبارك بثمانية عشر يوماً تتجدد المأساة مرة أخرى بوفاة خمسة عشر مواطناً وبنفس طائرات الأنتنوف التي سقطت أمس والتي كانت في طريقها إلى الفاشر لتسقط غرب منطقة أم درمان ويستشهد الخمسة عشر شخصاً من بين أثنين وعشرين راكباً. إن ضحايا الطائرات بالسودان يشكل أكبر معدل للوفاة منذ أن استشهد الفريق "الزبير محمد صالح" النائب الأول لرئيس الجمهورية ومجموعة مقدرة من القيادات، وتوالت عمليات الاستشهاد عن طريق الطائرات ولم نسمع يوماً أن مسؤولاً رفيعاً تقدم باستقالته متحملاً المسؤولية جراء كوارث الطائرات، ولم تتخذ الدولة الإجراءات ضد المسؤول بالإقالة في حالة عدم الانصياع للواعز الضميري من جانبه، عندما سقطت طائرة تلودي وراح ضحيتها أولئك النفر المقدر من قياداتنا السياسية والتنفيذية، شنت الصحافة هجوماً عنيفاً على مدير الطيران المدني المهندس "محمد عبد العزيز"، ولكن الباشمهندس اعتبر الهجوم غير مبرر، وأن الطيران المدني ليس مسؤولاً والطائرة عادت من الصيانة مما يؤكد صلاحيتها وسلامتها للطيران، ولكن ماذا نُسمي سقوط طائرة الأمس وهي من نفس الطراز الأنتنوف، ولماذا استمرار رحلات تلك الطائرات طالما هي طائرات خردة لا تصلح للعمل في الأجواء السودانية؟ لماذا يسمح لها بالطيران أم أن مكتوباً على قيادات أهل السودان أن يموتوا على الأنتنوف؟ لقد فقدت أسر كثيرة خيرة أبنائها وترملت النساء وهن في عز الشباب، وفقد الأبناء آباءهم وهم في أمس الحاجة إليهم، وفقد الآباء والأمهات أبناءهم الذين ظلوا ينتظرونهم ليعينونهم على مصائب الدهر، ولكن تبدد كل شيء بالنسبة لهم بسبب تلك الطائرات التي لا أحد يتبرع لتحمل المسؤولية بسبب كوارثها! إن مدير الطيران المدني الباشمهندس "محمد عبد العزيز" إذا فلت من المسؤولية بسبب كارثة طائرة كادوقلي ووجدت الحماية من الدولة، فلن تفلت من المسؤولية الإلهية ومسؤولية الضمير الذي سيظل يلاحقك يومياً، أنت لست محتاجاً إلى هذا المال ولست في حاجة إلى هذا المنصب إن لم تستطع تحمل مسؤوليته، ينبغي عليك تقديم استقالتك بكل شجاعة دون أن يطلب منك أحد حتى تجد الاحترام والتقدير من زملائك ومن المجتمع ومن أصدقائكم كما فعلها من قبل الباشمهندس "عبد الوهاب محمد عثمان" وزير الصناعة والذي لم يمت بسبب إدارته أحد، ولكنه تحمل المسؤولية بكل رجولة ودفع باستقالته إلى رئيس الجمهورية عندما حدد تاريخاً لافتتاح مصنع (سكر النيل الأبيض) وقدمت الدعوات لمسؤولين بالداخل والخارج، ولكن قبل ميقات الافتتاح اكتشف أن شفرة التشغيل لم تكن متوفرة، فاعتبر ما حدث خللاً يقع تحت مسؤوليته وهو يتحمل ذلك، فرفض السيد الرئيس الاستقالة وقال لنا في حوار: (يا ليت الرئيس قبلها لتكون بداية للآخرين)، فإذا قدمت استقالتك من قبل ولم يتم قبولها نتيجة ضياع قيادات بسبب طائرة كادوقلي، فقدمها اليوم وأصر عليها إن كنت حقاً تتحمل المسؤولية وتريد أن تقدم أنموذجاً للمسؤول الذي افتقدناه في مثل هذه الحالات، نسأل الله أن يتقبل شهداء طائرة غرب أم درمان، وأن يسكنهم فسيح جناته وأن يلهم ذويهم الصبر.