يسمون الصحافة مهنة المتاعب، ولكن هل من مهنة ليس فيها متاعب ؟! المهنة الخالية من المتاعب خيال، فليس من مغفل في العالم .. يعطي راتبا أو مكافأة لشخص يؤدي عملا ليس فيه وجع قلب ! كنت أظن أن البوابين في المرافق الحكومية كالمستشفيات وغيرها .. هم أكثر الناس راحة، وأنهم لا يفعلون شيئا سوى فتح البوابة وقفلها، لكنني راقبت ما عاشه بواب بأحد المستشفيات، فإذا به يرغي ويزبد على مدار الساعة، وإذا به يعاني من بعض المنفوخين الذين يريدون الدخول بسياراتهم، في حين أن التعليمات الصارمة له، هي عدم السماح بدخول السيارات إلا لحاملي الإذن بالدخول ! وكنت أظن أن رؤساء الأقسام ومديري الإدارات هم الأكثر راحة، خصوصا وأن معظمهم ممن تظهر عليهم علامات النعمة .. بسبب مدخولهم الأعلى نسبيا من بقية الموظفين، فإذا بالضغوط التي يواجهونها، من مرؤوسيهم المتململين من قيود الدوام العملي وضعف المردود المادي، ومن رؤسائهم الذين ترتفع فوق أدمغتهم عصا من يرأسونهم هم أيضا .. إذا بها ضغوط تجعل الولدان شيبا، وإذا بهم بين فكين فتاكين، فك علوي هو الرؤساء المنتظرون للنتائج، وفك سفلي هو المرؤوسون بكل تململهم وجفولهم من القيود ! وظننت ذات غفلة، أن من أسهل المهن .. أن تصبح مذيعا، فقد اعتقدت أنه لا يوجد ما هو أسهل من الكلام والرغي، خصوصا في البلاد التي تنتشر فيها مظاهر المعاناة مثل مجتمعنا، لأكتشف صعوبة أن تكون صاحب قدرة على الكلام المتصل، وصعوبة أن تعد لمادتك التي ستقدمها، وصعوبة أن تواصل الضغط المستمر على حبالك الصوتية، فحمدت الله أن طريقي لم يكن الإذاعة .. بقنواتها المسموعة أو المرئية ! حتى الوظائف التي تتطلب فقط السماع والرد، مثل موظفي الاستقبال في المرافق الخدمية وغيرها، وموظفي السنترال الذين يردون على المراجعين والمستفسرين من الهاتف، هؤلاء وجدتهم من أكثر ضحايا ضغط الدم، ووجع الأذن، والتهابات الحنجرة، وكله بسبب سماعات الهاتف، وشطحات بعض المراجعين والمتصلين، والتي تقود سريعا لغرف العناية الفائقة في المستشفيات . وبمناسبة المستشفيات وموظفي الطوارئ، قرأت أمس .. أن المكالمات الخادعة لطلب النجدة التي تلقتها شرطة مقاطعة كليفلاند لوحدها في بريطانيا .. ارتفعت بنسبة 35 بالمئة خلال الأشهر ال 12 الماضية المنتهية في يوليو 2012، في حين ارتفعت بنسبة 40 بالمئة لدى شرطة مقاطعتي ديفون وكورنوال الشهر الماضي، مما وضع ضغطاً هائلاً على الموظفين الذين يتعاملون مع مكالمات النجدة ويعملون فوق طاقتهم بسبب التخفيضات في الميزانية. ومن الأمثلة التي ذكرتها صحيفة الغارديان، أن شخصاً اتصل 23 مرة بالنجدة ليطلب من الشرطة نقله من مدينة إلى أخرى، كما اتصلت فتاة مراهقة بالشرطة لإبلاغها بتحذير كاذب بوجود قنبلة في وسط مدينة مدلسبوره مما تسبب بإحداث فوضى بسبب إغلاق المنطقة وإخلائها من الناس. وقالت الصحيفة أيضا إن شابا اتصل بالإسعاف لمساعدة حمامته الأنيسة من صعوبات في التنفس (!)، وأن رجلا اتصل بالنجدة لتغيير البطاريات في جهاز (الريموت)، مضيفة أن خدمة الإسعاف بمقاطعة يوركشاير تتلقى 750 ألف مكالمة خادعة كل عام، فيما تلقت خدمة الإطفاء في مقاطعة ميرسيسايد 1122 مكالمة خادعة العام الماضي . ابحثوا معي عن مهنة بلا متاعب، ولكم (الحلاوة) معشر الأصدقاء !