قال جان جاك روسو: (ابني هو ابني إلى أن يتزوج، وابنتي هي ابنتي طوال حياتها)، بينما اعتبر " فرويد" أن الفتاة لا تملك هوية شخصية لأنها تفشل في تحقيق استقلالها عن والدتها، ودون هذا الاستقلال لا تستطيع بلوغ النضج النفسي والعاطفي المطلوب، ولعل هذا نتاجاً طبيعياً لتشبُع الفتاة منذ صغرها بتصرفات والدتها، فتتفتق مداركها عليها، ولأن الإنسان مطبوع على التقليد سيما في هكذا وضع، فالبنت تتمثل جميع حركات وسكنات والدتها باكراً، لكنها رويداً كلما شبت عن الطوق، تبدأ في الاستقلالية إلى أن تصل مرحلة البلوغ فيكون التحرر، ومع ذلك يبقى هناك ثمة ارتباط ولو باطني بالأم. وعليه يتفاوت هذا الارتباط بحسب النشأة ومدى ترابط الأسرة نفسها بعضها البعض. خط أحمر وعن علاقة الأم والبنت بين الماضي والراهن، تقول السيدة "صفاء عبد الرازق" إن قيود جمة كانت بمثابة خط أحمر بيننا وأمهاتنا، قيود وضعتها الأعراف السائدة آنذاك بعدم تجاوز الأمهات وتقديسهن بالقدر الذي لا يسمح لنا بالتطاول والخوض معهن في أمور قد تبدو غير مألوفة وغير قابلة للطرح على طاولة الحوار، وأضافت: لكن هذا لا ينفِ تقربنا منهن، فحاجتنا إليهن ما تزال قائمة إلى اليوم، مضيفة: أن بعض الأمور الخاصة التي تلازم الفتيات في أطوار معينة، تجعلهن يسعين للاستعانة ببعض زميلاتهن الأكثر خبرة، وترى "صفاء" أنه كان من الأجدى أن يكون هذا دور الأم الأساسي في تبصير بنتها، وأردفت مستنكرة: إذا كانت هذه هي متلازمة فطرية للفتاة وليست بها جنحة أسرية، فما بالك بالعلاقات الخاصة والبوح بها، قطعاً تُعد تجريماً. من جانبها أمنت "عايدة عثمان" أُم وموظفة على ما ذهبت إليه جليستها "صفاء" وأضافت: أعتقد أن جيل بنات اليوم أكثر حظاً في وجود أمهات متعلمات ومتفهمات، ونسبة للتطورات التي أثرت على كل مناحي الحياة في الآونة الأخيرة، لذا نجدهن أكثر التصاقاً ببناتهن وتسعين لصنع جسر ممتد من الثقة بينهن، وتراقبهن عن بعد، وذلك بالتعرف على صديقاتهن وأصدقائهن ومرافقتهن لبعض المناسبات الخاصة بهن ليس عنوة وإقحاماً، ولكن باتفاق وقبول من بناتهن، وبحسب رأي "عايدة" فإن التعنت في التربية والمراقبة والملاحقة الزائدة عن الحد قد تباعد الشقة بينهن، وربما تدفعهن للكذب والتمويه، لذا فمن الأجدى التعامل بمبدأ الوسطية، وهذا ما انتهجه مع بناتي. ثقة عمياء جعلتها الصداقة المفرطة لبناتها أن تصبح (لبانة) تُلاك من قبل كل أهل الحي، هكذا قالت (س) وهي تحكي عن جارتها، واستطردت: جارتي تربطها علاقة قوية مع بناتها يسودها الحب والألفة، مع بعض والمهاترات والمناكفات الحميمة حتى في أمورهن الخاصة، وكثيراً ما ترافقهن إلى المناسبات حد أن كل مُطلع على هذه العلاقة يصفها بالراقية والمتحضرة، غير أن إسراف الأم في إطلاق سراح بناتها دون الحد الأدنى من الرقابة والصرامة وعدم تقريعهن حتى لو جئن إلى البيت في وقت متأخر من الليل، وضعها أمام سيل جارف من الانتقادات من قبل أهل الحي، الذين ظلوا يتساءلون: كيف لصبيات جميلات كهؤلاء أن يخرجن ويعدن منتصف الليل بعلم والدتهن، وأبدى كثيرون ممن تربطهم صلات قربى بهذه الأسرة تبرماً وعدم رضا عن هذا السلوك، وعندما تدخل بعضهم في الأمر، ردعتهم الأم بأنها تعلم إلى أين يذهبن ومتى يعدن، وبعدها لم يجرؤ أحد على التدخل واكتفوا بالمشاهدة، إلى أن خذلتها إحداهن وحبلت سفاحاً، وتساءلت (س) هل يمكن أن نعد تلك العلاقة صداقة؟ وأي صداقة هذه التي تجعل من الأم وبناتها سيرة بشعة يتداولها المجتمع؟ من جانبها قالت "نجاة عباس" إن علاقة عماتها بوالدتهم كانت غربية على مجتمعهم، فقد اعتدن ومنذ ولادتهن بالمكوث في منزلهن وعدم الخروج منه إلاّ للدراسة أو إلى بعض المناسبات الخاصة بالأهل، ولا يتم ذلك إلاّ برفقة والدتهن، وحتى إن خرجن لوحدهن، فإنهن يعُدن بتقرير وافٍ عن كل خطوة يخطونها، ولا أبالغ إن قلت إن والدتهن وإلى أن تزوجن كانت تعد لهن أبسط حاجاتهن، وقد ظللن يعتمدن عليها كلية، الأمر الذي صعب عليهن الحياة في بيوت أزواجهن لاحقاً، ما جعل الأم (تتبعثر) بين بيت هذه وتلك، وأخيراً استقرت واحدة منهن معها، فيما سكنت الأخرى قبالتها، وكن نناكفهن بضرورة عرضهن على طبيب نفسي ليعمل على فك هذا الالتحام الغريب. فاقد الشيء لا يعطيه وفي السياق تشير الدكتورة "سناء محمود" اختصاصية طب الأسرة والمجتمع، تشير إلى أهمية وجود الأم بصورة مكثفة في حياة ابنتها في فترة المراهقة، لأنها فترة حرجة في حياة البنات، وعلى الأم أن تحتوي ابنتها وتتقرب منها، وتصبح صديقة لها تحميها من الأفكار والمعتقدات التي يمكن أن تبثها وسائل التكنولوجيا الحديثة للشباب في هذه المرحلة الحرجة، وعدم نضج ووعي الصديقات في هذه السن هو أكبر خطر يواجه الفتاة، فالصداقة بين الأم وابنتها تحمي الفتاة من أية مشكلات. وفي حالة بحثنا عن أسباب توتر العلاقة بين الأم وابنتها، أحياناً نجد أن الأم نفسها كانت ابنة مهملة، ولذلك تهمل هي الأخرى ابنتها لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وفي بعض الأحيان يحدث العكس الأم التي كانت مهملة وهي فتاة نجدها تعطي حناناً بكثرة وتعوض بناتها ما افتقدته وهي صغيرة. إلى ذلك اعتبرت الدكتورة "عائشة البدوي" أُستاذة علم النفس، ومن خلال معايشتها لمرضاها وتعاطيها مع الطالبات في الجامعة، اعتبرت أن الأمهات اللاتي عانين قيوداً اجتماعية يرفضن أن تعاني بناتهن هذه التجربة، لكنهن سرعان ما يطبقن قواعد صارمة على بناتهن بعد سن البلوغ، أي مع بروز الظواهر الأنثوية على الفتيات، حيث يبدأ شعور الخوف ينساب إلى الأم، فتعمد عندها إلى استعمال سلطتها لضمان خضوع ابنتها للنظم الاجتماعية المعمول بها ونبذ المجتمع لها.