رئيس الوزراء يدشن الحملة الكبرى لاصحاح البيئة والنظافة بولاية الخرطوم    شاهد بالفيديو.. "بقى مسكين وهزيل".. ماما كوكي تسخر من الفنان شريف الفحيل بعد تعرضه لهجوم شرس وإساءات بالغة من صديقته التيكتوكر "جوجو"    شاهد بالفيديو.. أطفال سودانيون يدهشون الجميع ببراعتهم الفائقة في ركوب الخيل وسباق الفروسية بالقاهرة    توجيه مهم لوزير بالخارجية السودانية    شاهد.. ناشط مصري يعقد مقارنة بين عملاقي الكرة السودانية "الهلال" و "المريخ" عبر التاريخ ويمنح الأفضلية المطلقة للأحمر: (الموضوع اتحسم بالنسبة لي الصراحة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حاج سوداني يفاجئ الحاضرين في حفل زفاف ويدخل في وصلة رقص طريفة على أنغام موسيقى "الزنق" والجمهور: (عسل والله ودمه خفيف)    إجراءات عاجلة لتشغيل مستشفى "التمييز" و"التركي" بالطاقة القصوى    شاهد بالصورة والفيديو.. بفستان زفاف مثير.. عروس سودانية تتبادل الرقصات مع فنان حفل زواجها محمد بشير في حضور عريسها    الخميس.. قرعة دوري أبطال أوروبا    (كل من فشل في حياته صار شرطياً)    ترامب يشعل جدلاً قانونياً وسياسياً    خسارة غير متوقعة امام مدغشقر …    المسكوت عنه أخبث ما في الدعاية السياسية    الهلال يواصل تحضيراته.. و يبدأ اولى تجاربه الودية في تنزانيا    إضاعة الفرص... ودرس الإرهاق والبدائل    (المحللاتية والشرطة السودانية)    البهتان الخام أو الشيطنة بعكس التميُّز!    روايات خاصة: حين تنساب الدموع    عقار : لامكان للتمرد بالبلاد مهما كلف الأمر    عثمان ميرغني يكتب: شركة كبرى.. سرية..    المنتخب السوداني يودع"الشان"    مجلس الوزراء يعقد أول اجتماع في الخرطوم    الشرطة تلقي القبض على أحد المتهمين بحادثة نهب أستاذة في أم درمان    محمد بن زايد يصل مصر    شاهد.. "دا منتخبنا برانا وقوم لف يا جنجا قحت".. الإعلامي السوداني حازم حلمي يتعرض لهجوم إسفيري واسع بعد مباركته تأهل المنتخب لنصف نهائي الأمم الأفريقية    مسلحون تابعون للجيش ينهبون مُعلّمة تحت تهديد السلاح في أم درمان    ما حكم شراء حلوى مولد النبى فى ذكرى المولد الشريف؟    كيف يخدع الذكاء الاصطناعي موظفي الشركات؟    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    انتشال جثث 3 شقيقات سودانيات في البحر المتوسط خلال هجرة غير شرعية    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    كامل إدريس: دعم صادر الذهب أولوية للدولة ومعركة الكرامة    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    (للخيانة العظمى وجوه متعددة ، أين إنت يا إبراهيم جابر)    الذهب السوداني تحوّل إلى "لعنة" على الشعب إذ أصبح وقودًا لإدامة الحرب بدلًا من إنعاش الاقتصاد الوطني    سلطنة عمان تدشن برنامج الإقامة الذهبية    اتهام طبيب بتسجيل 4500 فيديو سري لزميلاته في الحمامات    طفلة تكشف شبكة ابتزاز جنسي يقودها متهم بعد إيهام الضحايا بفرص عمل    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    عفيف محمد تاج .. شاهد بالفيديو كيف حقق هذا المقطع أكثر من 16 مليون مشاهدة للطبيب الإثيوبي الذي درس في السودان    وزير الزراعة بسنار يبحث مع مجموعة جياد سبل تعزيز الشراكات الذكية في العملية الزراعية    تطول المسافات لأهل الباطل عينا .. وتتلاشي لأهل ألحق يقينا    الشرطة في الخرطوم تعلن عن إنهاء النشاط الخطير    وقف تدهور "الجنيه" السوداني امام الدولار.. د.كامل يتدخل..!!    بوتين اقترح على ترامب لقاء زيلينسكي في موسكو    الموظف الأممي: قناعٌ على وجه الوطن    أقوال مثيرة لصاحب محل بقالة اشترى منه طفل نودلز وتوفى بعد تناوله    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    سوداني في المهجر يتتّبع سيرةَ شخصية روائية بعد أكثر من نصفِ قرنٍ    اجتماع في السودان لمحاصرة الدولار    ترامب: "تقدم كبير بشأن روسيا.. ترقبوا"    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    أخطاء شائعة عند شرب الشاي قد تضر بصحتك    تقرير أممي: «داعش» يُدرب «مسلحين» في السودان لنشرهم بأفريقيا    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خربشات
نشر في المجهر السياسي يوم 27 - 07 - 2018


(1)
بحروف دامعة وعيون غاصت عميقاً في الحضور الكثيف.. وبكلمات أقرب لتعابير الوداع آثر "محمد بن عيسى" أو (بنعيسى) الأديب والمثقف ووزير خارجية المغرب الأسبق وداع جمهور مهرجان أصيلة في نسخته الأربعين الأسبوع الماضي.. وقال: إن ظروفاً قاهرةً وأوضاعاً اقتصاديةً تمر بها بلاده المغرب، قد تجعل من إقامة المهرجان السنوي للآداب والفنون والثقافة أمراً صعباً في العام القادم، ولكنه أبقى على بصيص أمل.. وشمعة خافتة الضوء في آخر النفق بإمكانية عودة عصافير أصيلية العام القادم إن شحذت الهمم وتضافرت الجهود.. وحزم أبناء مدينة أصيلة أمرهم وحافظوا على إرث صنعه "محمد بن عيسى" بالأرق والسهر والتخطيط.. والصبر على وعر الدروب.. حتى أصبحت تلك القرية الصغيرة التي تجاور ميناء طنجة وتطل على المحيط أشهر مشروع ثقافي في العصر الحالي.. تم تنفيذه بإرادة مثقف كبير.. هو "محمد بن عيسى" ، الذي ألقى يوم الجمعة الماضي خطاباً أثار الخوف والرعب في نفوس عشاق أصيلة وسكانها.. ورواد الأدب والثقافة.. و"محمد بن عيسى" قال بنبرة حزن عميقة : لست متأكداً من أننا سننظم الدورة الحادية والأربعين من موسم أصيلة الثقافي الدولي العام القادم، وبهذا ننعني موسمنا الأربعين، وبقى أن ندعو الله ونأمل أن يكون هناك موسم آخر في المستقبل، وفي إشارة أخرى قال "بن عيسى" :إذا جاء يوم ولم أعد فيه موجوداً فستبقى أصيلة مستمرة ، لأن "بن عيسى" لن يبقى إلى الأبد.. فهل تحدث الشاعر والدبلوماسي المغربي بإحساس من أصبحت أيامه معدودة في هذه الدنيا.. ويعد "محمد بن عيسى" ظاهرة نادرة في العالم العربي.. سياسي ودبلوماسي يقطن في قلب العاصمة الرباط.. وبالقرب من قلعة الملك المغربي.. لا تأخذه حياة المدينة الغارقة في الملذات.. يفكر في قرية صغيرة تسمى أصيلة.. ولد في أحد البيوت المصنوعة من الطين.. ونشأ في أزقتها.. أصوات النعاج.. وصياح الديوك في الصباحات الندية تغذي روحه برائحة أصيلية.. فكر في بناء مدرسة وقدر أنها لن تستوعب إلا عدداً قليلاً من التلاميذ.. نصحه الأصدقاء بإقامة مستشفى صغيرة في أصيلية لخدمة سكانها الريفيين.. لكنه وجد ميناء طنجة قريباً من تلك القرية.. فكر في جعل قريته قبلة للأدباء والشعراء من كل أرجاء الدنيا.. يعيد بعث الحضارة الإسلامية والعربية.. و(ينفخ) الروح في سوق عكاظ.. ويحترم الأدب العربي.. والثقافة الإنسانية و"محمد بن عيسى" قبل ذلك زار العراق.. وتسكع في شارع "أبو نواس".. وسوق الكرخ.. ونظر للتماثيل التي شيدتها بغداد.. ونصبت في قلبها كعاصمة للثقافة والسياسة والتاريخ والحضارة، وكرمت بغداد شعراء وأدباء لم تكرمهم بلدانهم.. كان النصب التذكاري في وسط بغداد ل"التجاني يوسف بشير" السوداني ، ول"أبو القاسم الشابي" التونسي، و"أحمد شوقي" المصري.. و"فدوى طوقان" السورية".. و"محمود درويش" الفلسطيني.. وأحمد رفيق المهدوي" الليبي.. فماذا يقدم "محمد بن عيسى"؟
(2)
اختار الرجل إقامة مهرجان سنوي في تلك البلدة الصغيرة.. نصب الخيام في نسخة المهرجان الأولى في أطراف القرية، وأضاء الليل بالمصابيح القديمة، لكنه أطلق الحرية لمئات الأصوات التي خنقتها الأنظمة الديكتاتورية وحبستها في الأقفاص وحرمتها من حق التغريد في الفضاء.. وحق الشعوب أن تسمع شعراً وتقرأ نثراً.. احتضنت قرية أصيلية و"اسيني الأعرج" من الجزائر و"شكري المبخوت" من تونس.. و"اليأس منير" من ليبيا.. و"فاطمة يسين" من موريتانيا.. وجاء الأدباء من كل بقاع الدنيا وبلغات العالم.. من إنجليزية وبرتقالية وأسبانية وفرنسية وألمانية.. وتنفست الصدور المكلومة في أصيلية، واختار "محمد بن عيسى" أن يجعل مقعداً كوزير خادماً للثقافة وليس مانعاً لنهر المعرفة.. لم يهمل "محمد بن عيسى" كوزير للخارجية قضية الصحراء ووادي الذهب ولا موقف المغرب من منظمة الوحدة الأفريقية قبل أن تصير اتحاداً تشبُهاً بالاتحاد الأوروبي.. ولا أهدر وقته في بيانات مجالس جامعة الدول العربية، التي تحدثنا منذ نكبة حزيران يونيو 1967م، عن المنعطف التاريخي الذي تمر به الأمة ولم تخرج منه حتى بعد اتفاقية أوسلو، وكل اتفاقيات الاستسلام التي وقعها العرب مع العدو الإسرائيلي بالأصالة أو بالوكالة، ولكن "محمد بن عيسى" كان عبقرياً في اختيار المكان وشاعرياً في الزمان.. ورجل دولة خدم المعرفة والثقافة أكثر من كل وزراء الثقافة في بلاد المغرب العربي.
كان "محمد بن عيسى" مثل "خير الدين" التونسي كاتب الدولة ومفكر الأمة.. زرع الأرض اليابسة.. وسقى الورود العطشى فأنبت مهرجان أصيلة الذي رفع المغرب.. أسماً كبيراً مثلما يفعل لاعب كرة القدم في العصر الحديث، فإذا كان "جورج ويا" قد جعل العالم يردد اسم دولة ليبريا الموبوءة بالمشكلات، فإن أصيلة القرية الصغيرة على ضفاف المحيط.. أصبحت أشهر من فاس حيث مرقد سيدي "أحمد التجاني".. وصارت أصيلة مثل فينوس وصقلية.. ومثل بغداد.. وكل ذلك بفضل "محمد بن عيسى".
(3)
في اجتماعات اتحاد الصحافيين العرب التي عقدت بالعاصمة المغربية الرباط.. تم اختياري مع الأستاذ والمعلم "محي الدين تيتاوي" رئيس اتحاد الصحافيين السابق لتمثيل السودان.. و"تيتاوي" كان من حين لآخر يتيح فرصاً للتدريب والتعلم واكتساب الخبرات.. ويمدد العلاقات بأن يسافر أعضاء المكتب التنفيذي برفقته ويقاتل هذا الدنقلاوي الشجاع في سبيل حقوق الصحافيين… في تلك الاجتماعات طلب "محمد بن عيسى" من نقيب الصحافيين المغاربة دعوة كل المؤتمرين إلى منزله وسط العاصمة الرباط، وكان حينها وزير دولة بالخارجية.. استقبلنا "محمد بن عيسى" في صالون فسيح.. وطفنا على مكتبه الذي يضم آلاف المراجع في الأدب والسياسة والفقه والتاريخ.. واللغات.. وحدثنا عن ضرورة النهوض بالثقافة العربية.. وأن مستقبل الديمقراطية في الوطن العربي في مأزق حقيقي.. في ظل وجود أنظمة سلطانية وديكتاتوريات عقائدية.. وديكتاتوريات عرقية.. ولم يخشَ "محمد بن عيسى" شيئاً وهو يتحدث بثقة في النفس.. وإيمان عميق بالديمقراطية، وتكاد كلمات "بن عيسى" تتسرب إلى قصر الملك القريب من بيته.. سهرنا حتى منتصف الليل.. شنفت آذاننا الموشحات الأندلسية.. وغادرنا الدار الجميلة ونقيب الصحافيين المصريين "إبراهيم نافع" يضرب كفاً بأخرى.. وفتاة من دولة الإمارات تمثل نقابة بلادها.. تقول :هذا عربي من زمان غير هذا الزمان.. واهتم الوزير "بن عيسى" بالثقافة والمثقفين وقدم لبلاده المغرب الكثير.. وأخرج قريته من النسيان إلى الذيوع والشهرة.. وباتت أصيلية على كل لسان، وكتب "الطيب صالح" عن ليالي أصيلية وأفراحها ومنابرها الثقافية.
(4)
لكن شعاع الأمل قد يموت في مقبل الأيام.. و"محمد بن عيسى" يخطب لأول مرة منذ (40) سنة: كان إسهامي ، والحديث ل"بن عيسى" ، في تدبير الموسم بنسبة (10%) ، وهذا كان متعمداً وبقية أعضاء المؤسسة قاموا باللازم وهذا يطمئنني، كم وزير خارجية جاء ومضى ولم يترك أثراً مثل هذا الرجل، وكم وزراء الثقافة في الوطن الكبير لا يميزون بين "نجيب الريحاني".. و"الياس فريحه".. وكل جمعة والجميع بخير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.