ظل "عبد الحليم المتعافي" يتنقل في أجهزة الدولة المختلفة، حتى تقلد مؤخراً منصب وزير الزراعة الاتحادية.. يختلف الناس حول دور "المتعافي" حتى أصبح مؤخراً من الشخصيات المثيرة للجدل، فهناك من يرى في الرجل مؤهلات كفيلة للدفع به في مواقع مهمة، فيما ينتقد آخرون احتفاظه بمناصب رسمية رغم أنه يعمل في مجال الاستثمار الخاص، أما "المتعافي" فقد ظل غير آبه بما يقال حوله، وربما لأنه يتمتع بوجود قوي داخل مراكز القوى.. مؤخراً أوكلت ل"المتعافي" مسؤولية إدارة مشروع الجزيرة، الأمر الذي دعا بعض الناس إلى تقديم انتقادات مباشرة إلى الوزير.. كما تتحدث هذه الأيام مجالس المدينة عن تغيير وزاري مرتقب قد يطيح ب"المتعافي".. (المجهر) رصدت ما يدور في الساحة وداخل المجالس، والتقت بوزير الزراعة "عبد الحليم المتعافي" في حوار تناول قضايا الزراعة ومستقبلها.. فإلى التفاصيل.. { هناك خلافات بينكم وولاية الجزيرة حول مشروع الجزيرة.. الولاية تطالب بأن يكون المشروع ولائياً.. فماذا يدور؟ - حكومة الولاية ليست لها علاقة بمشروع الجزيرة (في كلام قالوا المشروع حا يبقى ولائي وكدا).. نحن ما عندنا مشكلة، وإذا أصبح ولائي نحن ما عندنا بيهو علاقة، وإذا أصبح اتحادي بنشتغل شغلنا.. أنا لا أرى مشكلة في هذا الموضوع. { مشاكل التمويل الزراعي كانت واحدة من أسباب استقالتك من الوزارة ولا تزال قائمة والمزارعون ما يزالون يشكون من عدم وصول السلفيات.. ماذا تقول في هذا الأمر؟ - شوف.. مشكلة التمويل الزراعي، السياسة النقدية عموماً فيها مشكلة كبيرة، والنشاط الزراعي ما زالت الأموال المخصصة لتمويله، الذي يمثل (30%) إلى (33%) من الناتج القومي الإجمالي، ما زالت الأموال المخصصة من الجهاز المصرفي بالميزانيات الرسمية أقل بكثير من المطلوب، وهنالك تحسن يسير بوتيرة ليست متسارعة، لكن متحسنة، زادت الميزانيات المرصودة هذا العام وزاد التمويل كذلك، ونتوقع أن تتحسن تلقائياً، فالسبب الرئيسي هو نقص التمويل والزراعة مخاطرها أكثر من التجارة وأكثر من الخدمات، بالتالي الجهاز المصرفي لا يميل إلى توفير تمويل للزراعة إلا تحت ضغط سياسي وإجراءات وضمانات وتطمينات من وزارة المالية.. الآن وزارة المالية وفرت موارد لا بأس بها رغم أنها لا تلبي متطلبات الإنتاج الزراعي، لكنها متحسنة ومتقدمة، ومع ظهور النتائج وهذا الخريف الجيد والمتميز سيساهم في إقناع وزارة المالية بأن الزراعة هي الحل وهي المخرج لتوفير الخام للزراعة وتوفير الفائض للتصدير. { هل هناك اتجاه لإدخال القطاع الخاص بصورة موسعة في مشروع الجزيرة؟ - هناك (20) شركة تعمل في مشروع الجزيرة، منها (6) شركات تعمل في (الحراثة) وإدارة بعض مناشط الري. ودور القطاع الخاص يزداد كل يوم في مشروع الجزيرة، والنقاش حول مشروع الجزيرة دائماً الناس يتحدثون فيه عن الحكومة تاركين القطاع الخاص. { شركة السودان للأقطان.. هذا الملف أخذ حيزاً كبيراً في الدوائر العدلية.. هل هناك أي اتجاه لإلغاء دور هذه الشركة؟ - هذه الشركة هي شركة المزارعين، علاقتنا بها تنسيقية، فهي مملوكة لمزارعي حلفا، السوكي، الجزيرة والرهد، ومجلس إدارتها من المزارعين، نحن ليس لدينا تفاصيل عنها. أعتقد أن الهزّة التي حدثت لشركة السودان للأقطان أدت إلى تقليص مساحة زراعة القطن هذا العام مع عوامل أخرى، لكنها سترجع العام القادم خاصة مع زراعة قطن تكلفته قليلة وإنتاجه كبير، وأتمنى أن تدخل شركات أخرى مع شركة الأقطان لتتعامل مع المزارعين في الشراكة التعاقدية، أو مع القطاع الخاص لتطوير زراعة القطن، وسيدخل القطن المطري الآلي بعد الشراكة مع القطاع الخاص، وهذه خطتنا للتوسع في القطن لأن القطاع المطري محدود، والنهضة كلها في المطري الآلي وهو قطاع خاص. { مشروع الجزيرة يحتاج إلى معالجات إدارية وقانونية تستوجب تعديل القانون؟ - هناك (10) نقاط في مشروع الجزيرة تحتاج إلى معالجة، قلنا نريد تطوير إدارة مشروع الجزيرة، سنأخذ وظائف جديدة لمشروع الجزيرة، وسنوفر آليات للمشروع ووسائل نقل وحركة، وصيانة لبنيات السكن، وسنوفر مراكز لعلوم التقانة للمشروع، وسنسعى بالتنسيق مع وزارة الصناعة لإدخال صناعات غذائية إضافية، وسنسعى مع وزارة الثروة الحيوانية لإدخال الحيوان في المشروع لزيادة الإنتاج الحيواني، وسنعمل على إنتاج الأعلاف. ومن هذه النقاط سننسق مع وزارة الصناعة لإدخال صناعة السكر وصناعات أخرى بالتنسيق مع إدارة مشروع الجزيرة وطرح العطاءات لصيانة المنشآت، (وشغالين) في استجلاب الآليات والعربات. { السيد الوزير.. هناك هجرة جماعية وفردية من المزارعين إلى المدن مما أثر في العمل الزراعي بالبلاد.. ما هي المعالجات لوقف هذه الهجرة؟ - المدن، الناس (بيجدوا) فيها رزق واسع والكهرباء وخدمات وفرص لا يجدوها في الريف. فالمدن فيها الطرق ووسائل الترفيه عندما تقارنها بالأصقاع البعيدة في الريف تكون المقارنة غير متكافئة، فالأرياف غير جاذبة لاستقرار الشباب، وهناك قطاعات أخرى نافست الزراعة وأدت إلى هجرة الأيدي العاملة فيها. { مثل ماذا؟ - مثل التعدين الأهلي الذي بدأ يستقطب أعداداً كبيرة من القوى العاملة في الزراعة، ولم يبق للزراعة إلا العمالة غير القادرة على مخاطر التعدين وما يحتاجه من جلد وصبر، وتبقى للزراعة كبار السن والنساء، لذلك الحل يبدأ بتطوير العمل الزراعي. { هل لديكم إشكالات في تسويق القطن؟ - بالنسبة لتسويق القطن، وبوجود القطن المحوّر وراثياً الخالي من (العسلة) يرتفع الإنتاج.. وشركة السودان للأقطان هي التي تعمل على تسويق القطن، وهناك شركات أخرى من القطاع الخاص يمكن أن تدخل في تسويقه. وما يؤخر تسويق القطن وجود (العسلة) في القطن طويل التيلة وقصير التيلة.. أنا متفائل بأن التسويق سينطلق وسيجد القطن السوداني طريقه إلى الأسواق العالمية، وخلال ثلاث أو أربع سنوات سيحتل السودان مركزاً مناسباً لقدراته في البورصة العالمية للأقطان بعد خلو الأقطان السودانية من مشاكل (العسلة) وجودة الحليج مثله والدول الأخرى. { لماذا أصررت على القطن المحوّر وراثياً رغم وجود آراء أخرى كانت لا ترى جدوى من ورائه؟ - المحور وراثياً تكلفة إنتاج القطن فيه قليلة، وهناك زيادة في إنتاجيته، وبالتالي المزارع هو المستفيد الأول من هذه التقانة. { بالنسبة للسكر.. هل هنالك سقف زمني محدد للاكتفاء الذاتي من سلعة السكر؟ - العجز في السكر بعد دخول سكر النيل الأبيض سيقل إلى (200) أو (250) ألف طن.. كان العجز حوالي (500-400) ألف طن، قد يقل إلى (100 أو 150) ألف طن، وبوصول سكر النيل الأبيض إلى طاقة قصوى سيتحقق الاكتفاء الذاتي من السكر. { هل هناك سقف زمني؟ - خلال عامين أو ثلاثة. { إلى أين وصل تدريب الزراعيين على التقانة الحديثة؟ - بدأنا في تدريب الزراعيين.. السنة الفائتة أرسلنا (15) من الشباب الزراعيين إلى البرازيل، وهذا العام سنرسل إلى الصين زراعيين وإلى مصر وتركيا.. لدينا (5) دول متقدمة زراعياً تتعامل معنا سندرب عدداً كبيراً من الزراعيين. { بالنسبة للخريجين الزراعيين المتعطلين عن العمل.. هل هناك اتجاه لاستقبالهم في مشاريع زراعية؟ - الاتجاه لاستيعابهم يرتبط بالعائد الربحي للزراعة (دا تحقق)، وبعد ذلك كل فرد يعمل ليهو حواشات. { (مقاطعة).. تمليكهم أراضي ممكن؟ - ما في مشكلة، أراضٍ للتمليك موجودة وأراضٍ للإيجار موجودة كذلك. { يشكو أهل الشمالية من ارتفاع كلفة الإنتاجية؟ - الشكوى من ارتفاع كلفة الإنتاجية حقيقة، لأن تكلفة الإنتاج ارتفعت، لكن الناس لا يتحدثون عن ارتفاع قيمة المنتج، فالقمح مثلاً كان ب(70، 80 و100 جنيه) الآن أصبحت قيمته (250) جنيهاً، مثلما ارتفعت الكلفة الإنتاجية ارتفع سعر المنتج، والعملة عندما انخفضت أدت إلى ارتفاع سعر السماد والمبيدات وإلى ارتفاع سعر القمح نفسه وسعر الفول. حقيقة أعتقد أن الزراعة الآن مربحة أكثر من أي وقت مضى لأن سعر المنتج عالٍ. { هناك جبايات متعددة وعالية تُفرض على عبور المحصولات الزراعية للطرق بين الولايات مما يزيد تكلفة الإنتاج.. ما هي جهودكم لمعالجة هذه المشكلة؟ - نحن في وزارة الزراعة لا علاقة لنا بالرسوم والجبايات، وهذا شان ولائي يُسأل عنه الولاة، وأنا أتحدث مع الولاة عن مسألة الجبايات من حين لآخر، ولا اعتقد أن هناك جبايات كثيرة على عبور المحاصيل. { هناك حديث عن الموافقة على استيعاب (3) ملايين فلاح مصري في زراعة الأراضي بالولاية الشمالية هل هذا الحديث صحيح؟ - هذا الحديث يدور في الإعلام فقط وغير موجود في وزارة الزراعة، (والكلام دا مدورنوا ناس في الإعلام، أسألوا عنو الناس المدورنو). ونقول إن حدودنا السودانية مفتوحة للمصريين لكن (ما جونا).. هذه القضية (مدورة) في الإعلام فقط. { ما تأثيرات تمديد الحظر الأمريكي على السودان لعام آخر في الجانب الزراعي؟ - الحظر الأمريكي لا يشمل المنتجات الزراعية، ولا الأدوية، وممكن نستورد آليات زراعية من أمريكا، والمشكلة ما في الحظر ورفع الحظر عن الأغذية والأدوية، لكن في الإجراءات (عشان تجيب آليات مثل حاصدات القطن يجب أن تتقدم بطلب إلى الخارجية الأمريكية للاستيراد، لكن بياخد وقت ربما يستمر لشهور)، لكننا نتوقع أن نشاهد آليات زراعية متطورة من أمريكا في السودان قريباً. { مشروع الجزيرة تعرض لانتقادات كبيرة من برلمانيين ومن وزير الزراعة نفسه قيل إن هذا المشروع مات وشبع موت.. ما تعليقك وما هي المعالجة؟ - لم أقل مات في الإعلام.. أنا قلت إن مشروع الجزيرة الآن ما هو المشروع العملاق ولا عال العال، والمشكلة الكبيرة كانت هي مشكلة الري ولم تكن في البنيات التحتية ولا الطمي.. فكميات المياه الواصلة للمشروع كانت قليلة وهي السبب الرئيسي للمشكلة العام الماضي، وهنالك أخطاء وقعت في إدارة المياه في المشروع أدت إلى نقصان كمية المياه التي يحتاجها المشروع في وقت كانت فيه المحاصيل في طور النضوج، وهذا السبب يمكن تلافيه (وسنقوم بمحاسبة المتسببين في هذه المشكلة). { يعاني مشروع الجزيرة من مشكلات وصراعات في الصلاحيات الإدارية؟ - لا توجد مشكلة في الصلاحيات الإدارية بالمشروع، المشكلة تكمن في عدم وجود تيم إداري (يتوافق) والنمو الإداري الجديد، وأتوقع حل هذه المشكلة قبل نهاية العام. { مراكز ومباني مشروع الجزيرة تعاني من الانهيار؟ - بدأت الصيانة في بعض المراكز وبعض المباني في مشروع الجزيرة، وهذا المشروع عمره الآن قرابة القرن، ولأنه (شاخ) عشان (نرجعو) إلى الشباب محتاج لوقت، وما مكن ترجعو في سنة أو سنتين، بالظروف الاقتصادية الحالية يحتاج إلى وقت لنعمل فيه خطوات إيجابية، وأهم عامل ينبغي أن لا يتكرر ما حدث في الري في الأعوام الماضية.
