هل تذكر يا صاحبي الجميل حينما سهرنا مرات ومرات في كورنيش جدة الساحرة، كنت أكثرنا توقاً لمناجاة البحر المفتوح، كنت كعاشق يمسك بخيوط الفجر ويتسلق نافذة حبيبته ويرمي في سلالها الوردية نتفاً من القصائد، هل تذكر حينما بحثنا أربعتنا في آخر الليل، "رابحة" رفيقتك و"ماجدة" صديقتي الوحيدة عن مطعم يفتح أبوابه حتى آخر قطرة من الليل، ولما أعيانا البحث قطعنا جوعنا بفطائر الجبن والمناقيش وأصابع الشكولاتة وبعدها تفرقت بيننا السبل، قبل أيام كنت في مهمة في جنوب (جدة) تذكرتك حينما دعوتني لتناول (السلاة) في مطعم شعبي، ولكن صاحبك العبد لله خذلك ورفض تناول الطعام معك لأنه متوجس ويخاف من المطاعم العشوائية التي على أطراف المدن، آه صحيح تذكرتك بالأمس وأنا أعبر مع صديقي عراب الصحافة الفنية في الوطن العربي "علي فقندش" في الشارع الرئيس في حي الهنداوية، على فكرة فقندش رجل لماح، لكن ذاكرته مثل غربال الزمن، سألني وهو يهرش دماغه بلهجته الحجازية المحببة، وكان يحاول أن يتذكر اسمك، وقال لي ( فين صاحبك الشاعر الفله المجنون اللي كان يزورنا في المبنى القديم لعكاظ )، في تلك اللحظة ضحكت كما لم أضحك من قبل، وعرفت أنه يقصدك، قلت له أنك في أمريكا شيكا بيكا، وسرعان عاجلني ( فله والله يبغا يكتب شعر بالإنجليزي)، قلت له أنك هربت بجلدك من العكننة في السودان رغم أن مقعدك ما يزال شاغراً في مجالس الفن والطرب، هل تذكر أمسية مخنوقة بحرارة الطقس والرطوبة ورائحة البحر، حينما دعانا الفنان "محمود عبد العزيز" لحضور ثاني حفلاته على مسرح (قصر خزام) في جدة، وذهبنا إلى الحفل ثلاثتنا، أنت و"علي فقندش" وأنا، وقد أبدع "محمود عبد العزيز" أمام خلق كثيرين ورقص القوم على إيقاعات (الحوت)، وقبل نهاية الحفل أهدانا جميعاً "محمود" أغنية (افتقدتك يا صبا عمري وشبابي)، هل تذكر يا صاحبي جلسة طرب مسائية في منزل (آل خشم الموس) في عباسية أم درمان، حينما خرجنا مساء من الجامعة، كانت جلسة أذكر من حضورها، أنت و"التيجاني حاج موسى"، "انس العاقب"، "بشرى سليمان سعيد"، "حسن السر"، و"حسين خشم الموس"، وأشخاص آخرون هربت أسماؤهم وملامحهم من الذاكرة الخربة. نسيت أن أقول يا صاحبي لم يعد في السودان شيء مدهش، الغلاء يضرب أطنابه وأرخص شيء الإنسان، نعم الإنسان، وفي النهاية أقول ما زلت انتظر اتصالاتك في الأوقات العشوائية، وافتقدك بشدة كما يفتقدك أحباؤك والأصدقاء، لك محبتي والتحية إلى "رابحة" .