هربا من السياسة .. وهي (السياسة) التي ينتهجها صويحبكم بين آن وآخر، شاهدت قبل يومين تسجيلا تلفازيا لأحد كبار المطربين عمرا ومكانة، وكانت إطلالته وهو في عز الشباب، فكان ما شاهدته أكبر دليل على أن الزمان يفعل في الناس ما لا يمكن تصوره ! حدثت قرائي قبل سنوات عن قصص الصور القديمة، وكيف أنها توثق لأزمان جميلة ذهبت، ولن تعود أبدا، ولذلك يحرص الكثيرون على التشبث بها .. لا حسرة على الأيام التي انصرمت، ولكن توهما بأنهم ما زالوا على حالهم في تلك الصور .. رغم انطفاء أيامها الريانة صباً وبهاءً وجمالاً ! والصحفيون، شأن كل الخلق، يتشبث الكثيرون منهم بصورهم القديمة، والأمر لا ينسحب على الذكور دون الإثاث، فالكل يهربون هروب النعام من آثار الزمن على صورهم، ولذلك تبقى الصورة القديمة المعتادة .. هي الصورة الأكثر أماناً للاختباء خلفها ! صويحبكم من الذين لهم صور قديمة رائعة .. حدثت بها قرائي من قبل، وقلت لهم إن بعضها يعود لمرحلة الدراسة الجامعية، وأنني أتمنى لو أضع إحداها مكان صورتي الحالية أعلى هذا العمود، لتظل صورتي بلا ضغوط زمنية .. تمارسها ملامحي وشيبي على أعصابي ! أحد أصدقائنا من الشعراء الكبار .. ظل لسنوات طويلة يعطيني صورة قديمة مع كل قصيدة يريد نشرها، إمعانا في التأكد من وصول الصورة .. وتحسبا من حدوث خطأ ما .. يجعل المخرج يضع له صورة حديثة من تلك التي يتم التقاطها في المناسبات العامة ! ذاك الشاعر كان يلقاني في أماكن مختلفة غير الجريدة التي كنت أعمل بها، لكنه أراد في أحد الأيام أن يصلني في مكتبي بالصحيفة، ولما أتى وذكر اسمه لموظف الاستقبال، فوجئ الجميع بأن صاحبنا لا يمت للصورة التي ننشرها له بصلة، فقد فعلت فيه السنوات ما فعلت .. لتكون المفاجأة صاعقة .. وهو يطل بهيئته الحقيقية .. دون رتوش ! لا أظن أن عمليات التجميل قد غزت عالم الصحفيين، لكن ذلك لو حدث .. لسارع البعض من محبي صورهم القديمة، وصويحبكم منهم، لعمل اللازم، فمن هذا الذي يريد أن يراه الناس وقد شاخ، وانضم دون سابق انذار لمن فاتهم قطار الشباب السريع ؟! مطالبتي القديمة الجديدة .. أن تكون صور الناس واقعية قدر الإمكان، فلا أحد يريد أن يرى صورة الفنان الشهير في ألبومه الجديد، وقد خرجت تحكي عن واقع مضى منذ سنوات طويلة خلت، ولا أحد يريد أن يرى صورة الصحفي، أو الصحفية، التي تعود لعقود مضت تحتل مكانها في مقالته أو مقالتها .. رغم عاديات الدهر التي طرأت .. وهجمة السنين التي خيمت على الملامح ! لحسن حظ الكثيرين .. أن الصحف ما زالت تمارس الطناش عن عمر الصور المنشورة لأصحابها، ولا تجبرهم على تحديثها كل عام مثلا، ولذلك يبقى البعض متشرنقا داخل صورة لا تشيخ أبدا، رغم مرور عشرات السنوات عليها ! مع ذلك .. يحرص الكثيرون أيضا على تحديث صورهم من وقت لآخر، وأظنني من هؤلاء .. دون أن أحدد لأصحاب الفضول متى كان آخر تحديث .. لصورتي البهية الحالية !