نعود من جديد لمواصلة الكتابة حول هل فشلت صحافة الحكومة؟ التي بدأناها بصحيفة (الرائد) التي أُعطيت مالاً لم يعط لأية صحيفة حكومية أو شبه حكومية، ولكن الصراعات الداخلية (وناسي وناسك) كانت السبب الأساسي في فشل تلك الصحيفة وضياعها بعد أن كانت كل الظروف مهيأة لها لتكون الصحيفة الأولى على المستوى الداخلي إن كانت فعلاً صحافة حكومية أو شبه حكومية، كما كانت تقول إذاعة (B.B.C) في نشراتها عندما تذيع خبراً من صحيفة (السودان الحديث) الموءودة أيضاً، فتقول.. كما قالت صحيفة (السودان الحديث) شبه الحكومية.. رغم أنها غارقة (لشوشتها) في الحكومة وإن لم تتلق الدعم المباشر منها. لقد طويت صفحة (الرائد) بعد أن خم الجميع الملايين ولم يسأل المؤتمر الوطني ولا الحكومة ما هي الأسباب التي أدت إلى ضياع الملايين؟ ولماذا قدم المؤتمر الوطني الملايين من جديد لدفعها تعويضاً لمن كانوا سبباً في ضياعها؟ نحن لا نقول الجميع كانوا سيئين هناك من كان أحرص على نجاح الصحيفة، باعتباره من سهر وكد وتعب في عملية تأسيسها ولا يريد أن يعطيها لمن أتوا وهم يحملون أقلامهم فقط ليتربعوا على عرشها، أو كما يقال (عليّ وعلى أعدائي) أو (انهد المعبد بمن فيه). إن نجاح المؤسسات الصحفية مرهون بالصحفيين أنفسهم وليس الإداريين، فالإداري عليه أن يوفر للصحفي البيئة المناسبة ومنحه استحقاقاته الشهرية لا أكثر ولا أقل، ولذلك دائماً نجد الصحيفة عند ميلادها تخرج في كامل زينتها وجمالها وهي أشبه بالعروس ليلة زفافها.. فهل شاهدتم عروساً (شينة) يوم دخلتها؟؟ وكذا الصحافة فهي جميلة في أعدادها الأولى لأن الصحفيين يبذلون طاقة جبارة لتكون مؤسستهم الأولى من حيث المادة والإخراج، وكثيراً ما يقال هذه الصحيفة ولدت بأسنانها، ولكن بعد ذلك أين ذهبت تلك الأسنان؟ الأسنان ذهبت مع المالك أو المسؤول عنها.. فكم من صحيفة تنكرت للصحفيين وأخرت مرتباتهم لشهر وشهرين.. وهنا تكون الصحيفة قد بدأت في العد التنازلي لاستقرارها أو استمرارها، ومن ثم تبدأ في التراجع عدداً وراء عدد حتى تتلاشى تماماً وتختفي عن أعين القراء.. إذن فشل الصحافة الحكومية الإداريون هم السبب فيه، والصحفي لا يتحمل مسؤولية فشل أية صحيفة، لكن الصراعات داخل أية مؤسسة تكون سبباً في فنائها.. ف(الرائد) التي بدأنا بها حلقاتنا قبل أن ندخل إلى العمق في صحيفة (الأنباء)، وهي لن تكون أقل صراعاً من (الرائد) بين قياداتها التحريرية والإدارية، و(الأنباء) مثلها وبقية الصحف الحكومية التي أسستها الحكومة ك(الجمهورية) التي دفع فيها الشهيد "الزبير" أيضاً مليارات الجنيهات لتكون صحيفة مناهضة لصحيفة (الأنباء) التي وقف على تأسيسها الدكتور "أمين حسن عمر"، وأحجمت الحكومة عن مده بالمال اللازم ليجعل منها (أهرام) السودان، والصراعات العلنية والخفية كانت وراء ضياع الصحيفتين، (الجمهورية) التي لم تصمد طويلاً في سوق الصحافة و(الأنباء) التي واجهت ظروفاً اقتصادية صعبة جعلت إدارتها تبيع كل ما تملك لتغطية نفقات العمل الصحفي ومتطلبات المغادرين من المؤسسة، بالإضافة إلى هبوط المبيعات بسبب أن الصحيفة على رأسها قيادات من الحكومة "أمين حسن عمر" و"يس عمر الإمام"، وحاول الدكتور "أمين" أن يجد لها مخرجاً عن طريق الإعلان فأنشأ مؤسسة إعلانية تحاول استقطاب الإعلان الحكومي لمصلحة الصحيفة، ولم تنجح حتى غادرت المبنى المستأجر بالخرطوم (3) قبالة القسم الجنوبي وعادت إدراجها إلى الخرطوم بحري المنطقة الصناعية التي كانت تصدر منها صحيفة (الأيام) إبان الحكم المايوي، وصحيفة (الإنقاذ) في بداية حكم الإنقاذ حتى صدر القرار بدمج الصحف الحكومية في صحيفة واحدة باسم (الأنباء). نواصل