كان المساء يركض خفيفاً كمن يمشي على الماء، كل شيء فيه ناعم، غير أن حركة السيارات في الخارج كانت تضج في دماغه وتحرمه نعمة التأمل.. هكذا الليل في المدينة الساحرة التي ترتمي على عتبة الموج وغناء النوارس الكحلية، مشاهد هي مزيج من التناقضات الناعمة والساخنة.. في تلك العشية الغارقة في حراك الحياة داهمت البنفسجة حياته مرة أخرى، طرقت أبوابه الإلكترونية، لكن ضرب الرجل أسلاك قلبه بالمرزبة، جعلها تنتظر على قارعة الفضاء.. يخرب عقلك راجل مو معقول.. خاف الرجل أن تعود لتغيب مرة أخرى وتتركه على قارعة الصمت، يمضغ الأسئلة ويقتات الهواجس.. عودته صبية البنفسج على طقس الهروب والعودة، ولكن في كل مرة تمارس فيها طقوس الهروب كان يشعر بالقرف ويحمل بدرجة امتياز لقب (حاله تقرف الليمون) أو هكذا مقولة شائعة لدى البعض.. المهم لا أدرى إن كانت مقولة (حالة تقرف الليمون) سائدة في جميع أرجاء السودان، السودان الذي يعاني من حالة القرف اليومي، لكن المهم هذه المقولة كناية عن أن حالة الإنسان مزرية ويعاني من الإحباط والقرف والذي منه.. على فكرة، الليمون رغم أنه حامض فإنه يتغلغل بشدة في الخطاب الغنائي ولدينا في السودان، نصوص كثيرة مترسخة في الوعي الجمعي منها (قام اتعزز الليمون )، و(الليمون سقايتو عليا)، و(الأخضر الليموني).. إلى هنا اتوقف لأن الذاكرة الخربانة لا تحمل سوى هذه النصوص.. وفي المشهد العربي هناك أغنية (لومي يا دا اللومي حامض حلو) للبحريني "محمد حسن" و(اللومي) في اللهجة الخليجية يعني الليمون، كما أن هناك مقولة (دوخيني يا ليمونة) وهي مقولة تُضرب مثلاً في حالات الارتباك و(اللهوجة) وعدم ترابط الأشياء وتمييعها ما يجعل الإنسان يدوخ السبع دوخات دون أن يفهم شيئاً، وللفنانة "حنان ترك" مسلسل بعنوان (دوخيني يا ليمونة).. وهناك كتابات بالعامية المصرية لعدد من الشعراء تحمل نفس العنوان (دوخيني يا ليمونة).. الرجل يتذكر سيناريو (دوخيني يا ليمونة) حينما عادت البنفسجة تطرق بابه مرة أخرى، ينتابه الخوف من الوريد إلى الوريد، يخاف أن يفتح لها الباب، وتنتهز الفرصة للهروب مرة أخرى وتستنسخ لعبة (دوخيني يا ليمونة).