لا تتشاءموا .. حتى لو بدأتم يومكم بمعاناة حسابية قاسية في شأن المعيشة، وحتى لو وفرت لكم الجمرة الخبيثة مفاجأة صباحية ثقيلة بانقطاع الكهرباء. والتشاؤم ليس حالة محلية أو إقليمية .. بل هي حالة تسجل حضورا بين كل شعوب العالم، لكنها تختلف في حدتها بين شخص وآخر، وربما بين شعب وآخر. أخبار الأمس تقول إن منزلاً في إحدى ضواحي برلين .. بات يشكل نقمة على كلّ من يسكنه، للدرجة التي جعلت الناس تطلق عليه اسم "منزل الموت". مشكلة المنزل أنه ارتبط بكوارث دامية في ذهن الناس، فقد لقي تسعة من سكانه حتفهم بحوادث سيئة ومريبة خلال السنوات ال 15 الماضية. صحف ألمانية خاضت في الأمر، وذكرت أن المنزل الذي بني قبل 25 سنة في ضاحية غاتو، كان آخر (ضحاياه) رجلاٌ يدعى لورين، توفي في وقت سابق من يناير بحادث سير فيما كان يقود بسرعة 200 كيلومتر في الساعة. وكان رجل يستأجر الطابق الأعلى من المنزل قتل عام 2003 في حادث دراجة نارية، أدى إلى قطع رأسه. وفي صيف 2012، عثرت الشرطة على جثث رجل في ال 69 من العمر وزوجته (28 عاماً) وطفليهما الصغيرين، وتبين أن الأب خنق الأم والطفلين ثم قتل نفسه. وسبق أن عثرت الشرطة على جثتيْ صحافي بريطاني انتحر مع شريكه بعد اكتشاف إصابتهما بالإيدز. وعام 2000 انتحر هولندي في المنزل بعد أن أقفل كافة النوافذ والأبواب وأشعل النار ليموت مختنقاً. كل هذا الرصد المخيف .. جعل شعر الألمان يقف، وأصبحوا غير راغبين في السكن بمنزل الموت، كما أن هذا الرصد الصحفي لتاريخ المنزل، لن يكون في صالح أصحاب البيت، الذين سيكسبون شهرة كبيرة لمنزلهم .. لكن لا أحد سيجرؤ على شرائه .. أو مجرد التفكير في استئجاره أو استثمار أي جزء منه ! طبعا المنزل ليس له دخل فيما يدور داخله، أو فيما يحدث لقاطنيه خارج الدار، لكن من يقنع الناس بهذا الأمر ؟ فقد ارتبط الأمر في الأذهان بالمنزل، وأطلقوا عليه اسم منزل الموت إمعانا في التشاؤم منه، رغم أن الموت يأتي لقاطني المنزل ولغيرهم، ورغم أن الحوادث الدامية تحدث في كل مكان، وفي أي وقت .. دون ربطها بتبريرات غامضة لا منطق لها . أحد معارفي .. أكد أنه ليس من أنصار التشاؤم، لكنه صارحني بشيء عجيب، وهو أنه إذا فاجأته زوجته صباحا بأن الغاز قد انقطع عن البوتاجاز، فإنه لا يرى في بقية يومه إلا المصائب من كل شاكلة ونوع !! طبعا لست من أنصار النكد .. ولذلك أحرص على إشغال صاحبي عن سرد التفاصيل حول مصائبه التي يلقاها، فمن الذي لا يتعثر بالمصائب كل يوم، ومن الذي لا يخسر كل يوم ثلاثة أضعاف ما يكسب .. دون معرفة لتلك المعجزة التي تبقيه حرا وعلى قيد الحياة ؟! لكن صديقا يتشاءم من ضياع أي فرصة ثمينة لفريقه في بدايات المباراة، ولذلك فقد اشتهر بمغادرة الملعب باكراً .. غير عابئ بثمن التذكرة الذي يضيع عليه ! لا تتشاءموا، فالتشاؤم يجر صاحبه للخلف، مثلما تجرجرنا مصائبنا كل يوم نحو هاوية سحيقة .. لا نعرف متى نصل إلى قاعها السحيق !