{ ولشهر مارس مكانة مختلفة في نفوس كل البشر بمختلف سحناتهم واتجاهاتهم ودياناتهم، لأن الإحساس الذي يجمع كل العرب والعجم في هذا الشهر أكبر من تفاصيل مملة وضعها البشر بصياغة مختلفة جسدت مفاهيم وعادات وقيماً وتقاليد متباينة، ولكنها اجتمعت على الحب الفطري المكنون بدواخلنا تجاه الأمهات، لذا كان الاحتفال بعيدهن السنوي هو المادة الرئيسية التي نتهافت عليها من أجل رد الجميل لمعشوقة الكل ست الناس المسماة ضمناً بالأم. { وعندما أقول إن مصر سباقة أدري تماماً ما أشير إليه، إذ إن المبادرات الاجتماعية التي يقودها الشارع المصري جعلته يتربع على قائمة الصدارة في كل الحراك العربي في العالم من حولنا، ويكفيه فخراً الاهتمام المتعاظم والعظيم بالأم والتذكير بعيدها في الحادي والعشرين من شهر مارس ليكون يوماً تاريخياً يعطي ذاك الإحساس والإخلاص جزءاً يسيراً من جمائل ظلت قلادة في أعناقنا على مر التاريخ. { والقنوات المصرية تتسابق منذ بداية هذا الشهر مذكرة بيوم الأم، ومشيرة إلى أهمية الاحتفال بذاك اليوم، ولم تتناسَ شركات الاتصالات المختلفة طرح نغمات أغنيات الأم في كل إعلاناتها تبجيلاً وتوقيراً لكل الستات، ليتبارى آخرون في عرض مبيعاتهم المختلفة وأسعارهم المخفضة ليكون هذا اليوم عيداً مختلفاً يحرك كل الساكن ويعيد توازن الحياة ويحث على البدايات المختلفة. { والقنوات المصرية جميعها استعدت من خلال برامج مختلفة ذات طابع خفيف ومثالي، دخلت بموجبه بيوت كل المشاهير والبسطاء واحتفلت معهم قبل اليوم المحدد اعتقاداً من إدارتها بأن مارس هو الشهر المخصص للأم دون منازع، فكان احتفال الممثلة "ليلي علوي" بوالدتها والطريقة التي قدمت بها هديتها متنازلة من إمبراطوريه الشهرة لتجلس على أقدامها، و"معتز الدمرداش" يتفنن في إحساسه تجاه والدته، والصحفي "مجدي الجلاد"، وساعي صحيفة (الأهرام) وغيرهم كثر من نجوم ورموز المجتمع الذين احتفلوا من خلال كاميرا القنوات مع الأمهات، ليبدأ التشويق من خلال الإعلان والترويج عن هذه اللقطات والجلسات. { ولم تتجاهل الشركات المصرية الأمهات وعيدهن، حيث طرحت عدة مبادرات جسدت من خلالها فكرتها لتكريم عدد من الأمهات في احتفال ضخم، خاصة اللائي نلن حصاد عذاب وتعب طويل دفع بأبنائهن إلى مراكز مرموقة ونجاحات مختلفة، حتي تكتمل الصورة للاتي يمارسن ذات الجهاد من خلال الكسب الشريف والتربية الصحيحة رغم الضغوط الاقتصادية والأزمات التي تمر بها البلاد. { وفي السودان (ما حدش جايب خبر) لأن الأحاسيس مشغولة حالياً ولا وقت لديها لرد جميل واجب، فالقنوات فارغة المضمون، والأفكار مكررة وشركاتنا تمارس الصمت النبيل، والإعلام المقروء مهموم بقضايا الجنوب وفشل مدرب المريخ "الكوكي" وضبط ابن الفنان المشهور في شقة في وسط الخرطوم، فلا داعي للعجلة والسرعة، طالما أن الأيام المتبقية ستمكن بعض معدي البرامج من ارتجال حلقات تؤدي المطلوب من خلال عرض سمج يوصل الرسالة ويتواصل المد المخزي. { في بالي أن يتصدى أحد المتشددين وينصحني بعدم مجاراة النصارى كما يدعون، وربما يشير آخر إلى أن ما يحدث في العالم من حولنا بذات الخصوص فراغ لا معنى له لأننا حريصون على الاهتمام بأمهاتنا في كل يوم، لتظل ادعاءات جوفاء غير مبررة ولا مقنعة. { وقد أدخلت بعض أسر السودان أمهاتها الى دور المسنين، فطبيعي أن يتجاهل الكثيرون أعيادها وينشغلوا بوله الحياة ومباهجها، بدلاً من ذاك العبث النصراني الذي أضحى يسيطر على أفكارنا بشكل كبير، وعيد الأم في مقدمتها حسب وجهه نظره. { أمي الغالية متعك الله بالصحة والعافية وأدام عليك فضائله وأطال في عمرك لتنيري دنيانا وتحتوينا بذاك الحنان والحب والتمدد الفطري الصادق، ليكون رد الجميل من خلال تقاسيم وتفاصيل سأتعرض لها في ذاك اليوم (21) مارس.