** على هامش الاحتفاء بجسر الشهيد الزبير ، وعد والي الشمالية الأهل هناك البارحة بأن مصنعا لانتاج الأسمنت قاب قوسين أو أدنى من التأسيس ، فقلت لصديق : ده المهم ..مصنع الأسمنت ..نعم لهذا الجسر وغيره فوائد معلومة ، ولكن الفائدة العظمى - في ولاية كما الشمالية - هي المشاريع التي من شاكلة : مصنع الأسمنت..ليس لمواكبة النهضة العمرانية التي تشهدها العاصمة وبعض المدائن فحسب ، ولكن لحفظ الناس هناك من ويلات النزوح والاغتراب ..وطبعا ، حتى قبل التعداد السكاني الأخير ، لم يكن خافيا على أحد كثافة السكان بالولاية مقارنة بالمساحة الجغرافية ..فالفقر السكاني هناك ، كان ولايزال ، كائنا يمشي على الأرض ..!! ** وليس هناك أعظم من الصناعة والزراعة لمجابهة هذا النوع من الفقر بالشمالية وكل السودان ..فالمرء - شمالا وجنوبا ، شرقا وغربا - ما لم يجد لرزقه مصدرا مأمونا ، فانه يتخذ الجسور معبرا لديار النزوح ، وكذلك يتخذ طرق الأسفلت سبيلا نحو الاغتراب..وحضارة النوبة التي يتباهى بها الحاضر كانت في الماضي ضاجة بالحياة ثم القصور والبيوت التي تخفق الأرواح فيها ، ولكنها حين لم تجد الحماية اللازمة صارت أطلالا تجاور أطلال الحاضر .. وسيان عند جيلي دفوفة ملك مملكتهم سابقا و بيوت أجدادهم الذين لايزالون على قيد الحياة ..سيان هذه وتلك ، من حيث الفراغ ..وهكذا ، فالمكان هناك اليوم - كما المكان بالأمس - يغري الفرنجة وعشاق التراث على المزار والتوثيق والدهشة ..هذا إن كانت الأطلال وفراغات شوراعها من المدهشات فقط ، وليست من المبكيات أيضا ..!! ** لماذا ترفضون خزان كجبار ..؟..هكذا أسأل بعض عشيرتي ، لأجد إجابة من شاكلة : لنحافظ على وجودنا .. فأسال نفسي وإياهم : فهل وجودنا - بلا خزان - في الحفظ والصون ..؟..فتأتي الاجابات بأسئلة طعمها حنظلاً : كم كانت مدارسنا وتلاميذها ، مشافينا ومرضاها ، قرانا و رجالها ، منازلنا ونساؤها ، مزارعنا وزراعها ، مساجدنا ومصلوها ، نوادينا وشبابها ، أسواقنا وباعتها ، فقط قبل عشرين عاما لاغير ..؟..وكم هي الآن ..؟..في الاجابة مكمن الوجود ، ثم الحفاظ أو الانقراض ..فالحفاظ على الوجود البشري بأرضه يختلف عن الحفاظ على صورته بالبرواز أو تمثاله بالمتحف .. فالتنمية هي السياج الذي يحمي حاضر الانسان ، ثم التنمية هي التي تباعد بين المرء والبكاء أو التباهي بالأطلال .. ولو لم يغادر أبي بيت جدي ميمما وجهه شطر الكلاكلة ، لما احتفظت بصورة بيت جدي في قرص الكتروني ليشاطر حنيني مع صورة دفوفة كرمة ..بل لكنت ، أو لكان للحياة في ذاك البيت وجود فرايحي ، وليست قرصا الكترونيا .. أو هكذا يجب تفسير تبرير « لنحافظ على وجودنا » ..!! ** عليه .. الجسور مهمة ، بيد أن مصانع تشغل الأيدي أو مزارع تفلحها السواعد أهم ، حتى لايتخذوا الجسور معبرا سهلا نحو عاصمة بلدهم ومدائن بلاد الغير .. ثم ... الطريق القادم من حلفا إلي الخرطوم إنجاز لن تكتمل سعادة أهل البلد به ما لم يعانق طريقا قادما من الجنينة ، وأخر من جوبا ، وثالثا من بارا ، وهكذا ..ملتقى طرق كل مدائن أهل السودان يجب أن يصبح هما مؤرقا لمضاجع صناع القرار .. وليس ذلك على الله بعسير ..فقط ، فلتنزع النخب روح العداء من ذاتها باحترام الآخر ، ثم تمد جسور الولاء بين الناس والبلد ..!! إليكم - الصحافة –الاربعاء 19/08/2009 العدد 5801 [email protected]