كتبت بالأمس عن العاشق الهولندي الذي وضع خطة ساذجة لاسترجاع الحبيبة التي هجرته بأن كلف صديقا له بمحاولة اختطافها ليقوم هو بدور المنقذ، وسردت كيف سار كل شيء حسب الخطة الى ان اكتشفت الشرطة في أشرطة الفيديو المأخوذة من الكاميرات المنصوبة في مكان الحادث، ان العاشق وصاحبه كانا يتسامران معا وانفصلا بمجرد ظهور الفتاة قرب بيتها.. ورأت الشرطة تفاصيل الفيلم الهولندي الهندي: المجرم يهجم على الفتاة ويظهر الحبيب السابق فجأة ويضرب المجرم إلخ إلخ. عندي اليوم اعتراف \"رهيب\"، فقد كنت طرفا في فيلم هندي مماثل، ولكن - وبدون فخر - فقد كان السيناريو الذي أعددته مع صديق لي أفضل من نظيره الهولندي: كنا في جامعة الخرطوم وكان صديقي ذاك متيما بحب زميلة مسيحية كانت بدورها تهيم بحبه.. حاولت إقناعهما بأن الحكاية لن تمضي الى نهاية سعيدة للأسباب كذا وكذا، ولكن صديقي قال إن اثنين من اشقائه لا يمانعان في زواجه بمسيحية.. بقي إذن أمر أهل الفتاة، وقمت بعملية جس نبض وأدركت أنهم لن يسمحوا لها بالزواج بمسلم، وأن الفتاة نفسها لن تدخل في معركة ضد أهلها لإتمام تلك الزيجة،.. كانوا مسيحيين سودانيين أقباط ولكن من أصول \"صعيدية\".. يعني التار يا ولداه، وواجهت صاحبي بالحقائق ولكنه ظل يردد \"لازم نشوف طريقة\".. وذات يوم جاء ليقول لي إنه وجد \"طريقة\" لكسب قلوب اهل الفتاة: كانت الصحف المصرية قد نشرت قبلها بأشهر تقاطر آلاف المسيحيين على كنيسة في الصعيد بعد أن ذاع أمر ظهور العذراء مريم عليها السلام في أحد أبراجها.. وخلاصة خريطة الطريق التي توصل اليها صديقي هي باختصار: ما الذي يمنع ظهور العذراء في كنيسة في الخرطوم وأكون أنا أول من يراها وكي لا تحوم الشكوك حولي تكون أنت أيضا شاهدا على تلك المعجزة إحدى نقاط ضعفي (وربما قوتي) هي أنني أحب المواقف الطريفة والى حد ما المقالب، وبعد ان شرح لي تفاصيل الخطة وافقت على الفور، ووقع اختيارنا على \"كاتدرائية كل القديسين\"، الملاصقة للقصر الرئاسي في الخرطوم.. اخترنا ساعة ذروة ووقفنا قبالة الكنيسة وعند سماع كلمة السر \"يللا\" وضعنا أيدينا على رأسينا وصرنا نصدر أصواتا تدل على الدهشة العجب، ولما توقف من حولنا عدد من الناس صرنا نشير بأيدينا إلى سقف الكنيسة ونحن نردد بأصوات لاهثة: شايفين؟ شايفين؟ وبالطبع لم يكن هناك من هو \"شايف\" أي شيء، ولكن عدد الفضوليين حولنا ازداد ووجدت نفسي اندمج في دوري في الفيلم وأصيح: لا إله إلا الله محمد رسول الله.. يا جماعة شايفين هناك جنب برج الجرس.. بعدها بثوان انفجرت ضاحكا.. أدركت أنني رددت شهادة الاسلام بأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الرسل والأنبياء لإثبات \"معجزة مسيحية\".. وبسبب ضحكي كاد الجمهور ان يفتك بنا، وكان ذلك أول يوم في حياتي اهتف فيه بحياة المخابرات فقد أمسك بنا رجال أشداء من الحرس السري في قصر الرئاسة بملابس مدنية ودخلوا بنا الى \"الكنيسة\" لاستجوابنا.. وبدون فخر فإن أبو الجعافر شجاع ومشهود له بالثبات عند الشدائد، وهكذا وخلال ثوان كنت قد اعترفت لهم بكل شيء فانفجروا جميعا ضاحكين.. ما أضحكهم أكثر هو أن الكنيسة لم تعد كنيسة بعد ضمها الى القصر وصارت مكاتب للحرس الجمهوري وقال لي ضابط: يعني لو فيلم العذراء نجح كان من الوارد ان الفاتيكان يطالب بضم القصر الرئاسي في السودان الى أملاكه. الله يسامحنا.. وبالطبع لم يوفق الزميلان في الزواج لفشل الحبيب في مجال تحضير الأرواح ولو بالاستهبال. أخبار الخليج - زاوية غائمة [email protected]