من المعلوم أن الأمم على إختلاف مشاربها ومذاهبها متفقون على أن ثمة أنواعا من العلاقات والصلات ينبغي أن تحكم المعاملات بين الأفراد داخلها ، وبدون هذه العلاقات ترتبك حركة هذه المجتمعات وتتعثر خطاها ، مما يعرضها لهزات عنيفة من شأنها أن تعرقل مسيرتها فضلا عن إمكان التسبب في إسكاتها بالمرة ، هذه العلاقات على مر التاريخ أخذت أشكالا وصورا تختلف من جماعة لأخرى ومن مكان لآخر ، إلا أن هناك حد أدنى يكاد يتفق عليه عقلاء هذه الأمم وأولو الرأي السديد فيها ، وذلك الحد هو ما تعلق بالنخوة والمروءة والعفة وغيرها من الصفات الحميدة ، حتى جاء الإسلام فجمع ما تفرق في الأمم العاقلة السابقة عليه من خلال وصفات محمودة كريمة ، وزاد عليها أضعاف ما كان معروفا من ذي قبل ،فجعلها تنبثق من خلال أعز المعاني وأغلاها وهو الإيمان ،قال رسول الله ص {أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا } ولما تمثله الأخلاق من أهمية بالغة داخل المجتمعات سنعرض العديد من الصفات المحمودة ثم نتبع كل صفة منها بضدها من مذموم الصفات لتبرز المعاني النبيلة فتتشبث بها النفس وتتنزه عن المعاني الذميمة ،وسأتعرض للعديد من المعاني التي سترد على حلقات متسلسلة ،بإذن الله،وسأبدأ بفضيلة الإعتراف بالفضل وأتبعها بما يخالفها من السلوك المذموم وهو نكران الجميل .الإعتراف بالفضل وهو أن يقر المتفضل عليه بجميل صنع المتفضل ،ولا يقابل ذلك بجحود أو نسيان ،والله المستعان هو صاحب الفضل أولا وأخيرا ظاهرا وباطنا ،قال تعالي [قل بفضل الله ورحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله ص { إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذب ،وقال أبو بكر :صدق ،وواساني بنفسه وماله ،فهل أنتم تاركو لي صاحبي ؟ قالها مرتين فما أوذي بعدها } وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ص {من لم يشكر الناس لم يشكر الله } والخلاصة : أن الإعتراف بالفضل لذي الفضل من أخلاق الكرام، وأدواته ثلاثة :اليد واللسان ،والقلب ،قال الشاعر :أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجبا . نكران الجميل وهو تبرم المرء من الإعتراف بصنائع المعروف عليه لمن أسداها إليه ،قال تعالى [يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون ] وعن إبن عباس رضي الله عنهما أنه قال :قال النبي ص { أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن ،قيل :أيكفرن بالله ؟قال :يكفرن العشير ،ويكفرن الإحسان ،لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ،ثم رأت منك شيئا قالت :ما رأيت منك خيرا قط } وعن الحسن البصري في تفسير قوله تعالى [إن الإنسان لربه لكنود ] الكنود هو الذي يعد المصائب ،وينسى نعم الله عليه . والخلاصة: أن نكران الجميل طبع اللئيم وديدنه ،قال سيدنا علي رضي الله عنه :"كن من خمسة على حذر ،من لئيم إذا أكرمته ،وكريم إذا أهنته ،وعاقل إذا أحرجته ،وأحمق إذا مازجته ،وفاجر إذا مازحته " ،و للطيب المتنبي البيت الشهير : إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا . هنادي محمد عبد المجيد [email protected]