كثر الحديث في مصر ما بعد الإنقلاب عن الإسلام الوسطي ، و هو إسلام غريب عجيب ، يتبارى في رسم ملامحه غلاة العلمانيين بمباركة شيوخ من أقصى التزمت السلفي البرهامي إلى أقصى التساهل الأزهري الطيبي . و بين هؤلاء و أؤلئك يبرز الحضور القوي للفنانين و الفنانات و الراقصين و الراقصات ، فهو إسلامٌ "جميل" ترقص وفقاً لتعاليمه السيدات في الشوارع و أمام لجان التزوير و لا بأس في قبلة أو حضن دافئ بين من يجمعهم الإخاء فيه . هو إسلام يرضى عنه سيد القمني و شيعته من الملحدين الصرحاء و يباركه تواضروس و تتغزل في جماله إسرائيل و ترقص على نغماته و نفحاته صافيناز . إسلامٌ يشتبه في ملصقات الصلاة على النبي و يجند لمحاربتها أجهزة الدولة . و يرى في كل شعارات الإسلام و مظاهره شبهة تثير رعبه حتى يثبت أنها تتوافق مع "الإسلام الجميل" ، إسلامٌ يرى في المعتكف في المسجد مشروع مجرم يجب أن يقدم كل ما يثبت العكس بالتسجيل قبل أسبوع و بأن يكون معروفاً لدى إدارة المسجد و أن يكون ساكناً بجوار المسجد المصرح له و تحت إشراف و متابعة لصيقة من الإدارة . إسلام يترافع عنه شيخ و عميد لإحدى كليات الأزهر ليقنع إلهام شاهين بأنها بما تقوم به داعية للإسلام و أن المشاهد السخنة التي تمثلها هي دعوة و بيان ! و يتخير من الكلمات ما لا يجرحها و يأبى لسانه بأن ينطق بأن الإسلام يحرم تعري جسد المرأة و ممارسة القبلات و الأحضان مع غير زوجها مهما كانت الحجة ، تحدث الشيخ مؤمناً على تبرير إلهام بأن ما تقوم به و غيرها من الممثلات هو مجرد تمثيل و تبرع من عنده بمدها بحجة أخرى و هي أنها لا تفعل لذلك للترويج و إنما للتحذير !! حجة الشيخ الواهية عدا عن مخالفتها لتعاليم الشرع فهي تناقض المنطق ، فإن كان يرى أن ممارسة الجنس أو مقدماته بين غير المتزوجين حرام يجب التحذير منه فدعوة إلهام و بيانها لا تمر إلا عبر إقتراف هذا الحرام ، و حجة أنه مجرد تمثيل حجة متهافتة فهناك فعل حقيقي يتم و بأسلوب تمثيلي ساخن يلهب المشاعر و يؤججها. و جمهور هذا النوع من الأفلام لا يخرج من صالة العرض و قد تلقى درساً في التحذير من هذا النوع من الممارسات بل العكس هو الصحيح ، فكلما احتوى الفيلم على مشاهد سخنة أكثر كلما جذب أكبر عدد من المراهقين و لن يقنعنا الشيخ بأن هذه الزيادة تأتي بسبب زيادة جرعة الدعوة و البيان . قد يمثل الممثل السرقة و شرب الخمر و القتل و الإنتحار و كثير من الجرائم غيرها دون أن يحتاج إلى ممارسة ذلك فعلاً إلا مشاهد الجنس فإنه يستحيل تمثيلها دون أداءها فعلاً و قليل من الممثلات هن من يرفضن أداءها فيضطر المخرج إلى تقنياته الإخراجية حتى يخرج المشهد الساخن ، و حتى لو كانت كل المشاهد الساخنة تتم بتقنيات إخراجية دون تلاقي الأجساد - و هذا ليس صحيحاً - فإن الناتج النهائي هو لقطات ملهبة للمشاعر و مهيجة للغرائز يحرم الإسلام مشاهدتها ، فالتحريم في الجنس - دوناً عن باقي الجرائم - متعلق بالنظر كما هو متعلق بالممارسة . هو إسلام يقصي و يحارب من يدعو إلى الإلتزام بتعاليم الإسلام و شعائره و يفتي فيه من لم يسبق له ممارستها ، إسلامٌ يتبارى فيه بعض الشيوخ مع غلاة العلمانيين ليثبتوا أنهم أكثر علمانية و انفتاحاً تعينهم على ذلك ذخيرة فقهية تؤصل لكل هرطقات بني علمان ، فالراقصة شهيدة إذا ماتت وهي في طريقها إلى الكباريه لتكسب رزقها ، و الخمر قليلها حرام و السيسي ووزير داخليته رسولان ( سعد الدين الهلالي ) و الولي يزني يطير في الهواء و يمشي على الماء ، و ' السياحة الشاطئية و الهبابية 'جائزة فالناس كانوا يطوفون حول الكعبة عراة في زمن الرسول صلى الله عليه و سلم ( علي جمعة ) . و الدعوة و الشعارات الدينية يجب أن تبقى في المساجد المسبطر عليها و الإسلام الوسطي لم يأتٍ إلا لإحترام النصارى إذ يجب أن تغيب عن أنظارهم و أسماعهم كل شعاراته و شعائره حتى لا تجرح مشاعرهم و منعاً للفتنة الطائفية . إسلام يرى في كل من له موقف ضد الاسلام حليفاً و نصيراً إبتداءً من المسلم غير الملتزم إلى غير المسلم و انتهاءاً بالملحد الذي يحاربه في أصله و على مقاسات هؤلاء و شروطهم و رغباتهم ستوضع معالم إسلام جميل لا يزعجهم و لا يقف - و لو بالدعوة و الفتوى - في طريق حريتهم . هو إسلام ممكن مؤسسياً و له كتائب من المفكرين و العسكر و الإعلاميين و أجهزة الدولة لحمايته ، فإغلاق مسجد في مصر أسهل من إغلاق كباريه ، و حتى الرئيس التقي الحافظ لكتاب الله و الراغب فعلاً في إغلاق الكباريهات ما كان ليستطيع أن يفعل ذلك في فترة حكمه إلا بعد أن يتمكن من القضاء على سطوة و قوة و بأس إسلام الكباريهات و كان ذلك سيستغرق وقتاً . إسلام رغم تمكنه من مفاصل الدولة وشيوعه وسط النخبة المؤيدة لها إلا أنه معزول في الشارع ، و هذا هو التحدي الذي يواجهه لذلك سيخوض حربه مع الشارع ليضبطه على مقاساته . لقد أراد الدكتور مرسي أن يواجه الإسلام الوسطي الكباريهي الهوى و الهوية بإسلام معتدل متغلغل في ضمير الشعب الذي لا يجتمع على باطل ، فخسر الجولة و عاد إسلام الكباريهات للإنتقام و لتعلية السقف فالحرب الآن على الإسلام المعتدل الحقيقي ، و هي حرب حقيقية جذرية استئصالية تستلهم روح تجربة بن علي في تجفيف المنابع وتتفوق عليها ، و المنابع الجاري تجفيفها ليست حصراً تلك التي ترفد الإخوان بالمناصرين و إنما هي كل منبع يمكن أن يُشتبه مجرد إشتباه في إحتمال أن يخرج منه مسلم يمكن أن يتاذى بهز الوسط أو يغضب لمشاهدة الملحد الذي نشر فيديوهاته على اليوتيوب و هو يمزق المصحف و يؤيد السيسي أو يعترض على فتوى تطلقها سما المصري أو يضبط متلبساً بجريمة الصلاة على النبي في الشارع . إسلام إلهه السيسي و رسوله علي جمعة و صحابته لميس و يسرا و القمني ، و أبو هريراه مصطفى بكري و تابعيه الراقصات و الراقصين و أم مؤمنيه المثالية هي فيفي عبده و قرآنه أكثر أقوال العلمانيين تطرفاً و شعاره " اللي ما يرضيش ربنا نحن معاه نؤيده و ندعمه " فإن خرجت من فم السيسي سهواً فقد أصبحت برنامج عمل علني سافر لا يجتهد حتى في وضع مكياج التعمية و التمويه .