اهتمت وسائل الإعلام العالمية في تغطيتها لحفل تأبين نلسون مانديلا بجنوب أفريقيا أمس الأول بالمصافحة التاريخية بين الرئيسين الأمريكي باراك أوباما، والكوبي راوول كاسترو، وتحولت المشاهد التي لم تتجاوز ثوان معدودة إلى مركز الحدث بدلا من أنها تحدث على هامش الحدث الأكبر، وهو تأبين الزعم الراحل مانديلا، تحولت تلك المصافحة إلى محور النقاشات والتحليلات للحدث وطفق الجميع يسبرون أغوار دوافع الرئيس أوباما إلى المبادرة بالتحية التي ردها كاسترو بافضل منها عندما نهض لمصافحة أوباما الذي بدا في الصورة في نصف انحناءة أمام العدو التاريخي لبلاده ورئيس البلد الذي تفرض عليه أمريكا حصارا اقتصاديا منذ أكثر من نصف قرن بسبب مخلفات الحرب بين الرأسمالية والشيوعية. المصافحة جرَّت على أوباما سيلاً من الانتقادات من كبار الساسة في واشنطون على رأسهم العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ جون ماكين، كون أوباما اكتفى فقط بالمصافحة لم يسأله عن أوضاع حقوق الإنسان في كوبا، طبعا من الناحية العملية كان يستحيل ذلك كلها ثوان وأوباما ماض إلى المنصة للحديث عن مانديلا، وكشفت هذه اللفتة عن أن الراحل مانديلا كان فعلا الأب الروحي لأوباما كما قالت صحيفة الواشنطون بوست الأسبوع الماضي، لأن أوباما أراد أن يطبق عمليا ولو جزء من القيم التي تركها مانديلا، وهي المصالحة والصفح عن الأعداء. البعض سارع إلى تحميل المصافحة الرمزية مدلولات سياسية مباشرة خصوصا في عالم متغير بدأت فيه إيران أقرب إلى الغرب من أي وقت مضى، ولكن مع أن ذلك الاحتمال وارد، فإن الرئيس أوباما الذي ظل حريصاُ على تتبع خطى القادة الكبار الذين يستلهم منهم أفكاره السياسية مثل غاندي ومارت لوثر كنج وابراهام لينكولن ومانديلا، كان يريد في تلك اللحظة الاحتفاء بمناديلا من خلال تجسيد حي لأهم قيم مانديلا السياسية الذي صافح سجانيه وصفح عنهم بعد 27 عاما من الاعتقال ودعا شعب جنوب أفريقيا إلى المصالحة وطي صفحة التمييز العنصري البغيضة والانطلاق نحو المستقبل متحديين ومتحابين سود وبيض وملونيين على قدم المساواة والمسؤولية لبناء جنوب أفريقيا الجديدة، وسائل الإعلام الكوبية رحبت بالمصافحة وعبرت عن أملها في أن تكون بداية لإنهاء الصراع القديم والمتجدد بين البلدين في إسقاط سياسي على المصافحة الرمزية، التي أثارت استياء المحافظيين الأميركيين الذين رأوا فيها نوعا من الدعاية السياسية لصالح الرئيس الكوبي الذي لم يسع هو الآخر إلى تحميلها – أي المصافحة- أي أبعاد سياسية عندما قال في مقابلة مع إذاعة (إف إم) الكولومبية من جوهانسبرج: (إنه أمر طبيعي، نحن متحضرون). تاريخيا لا توجد علاقات دبلوماسية بين الولاياتالمتحدةوكوبا منذ 50 عاما وكان الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، صافح الرئيس الكوبي الراحل، فيدل كاسترو، في العام 2000، خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فكانت أول مصافحة بين رئيسي الدولتين منذ 1959. العالم الآن - صحيفة اليوم التالي