يحكى أن مصادرة الجهات الرقابية الحكومية لكتاب ما قد تبدو مسألة عادية للوهلة الأولى لاسيما في محيطنا العربي والأفريقي، باعتبار أن الكتابة والإبداع في هذه البلدان مشروطة برضا السلطات إلى حد بعيد، كما أنها تخضع إلى معايير من الصعب الاتفاق عليها سواء أكانت ثقافية أو دينية أو مجتمعية، لكون أن الجهات (اللجان) التي تصوغ قوانين النشر بدورها من الصعب تصنيفها أو تحديد مسؤوليتها (المعرفية والقيمية) من عملية المراجعة والتقييم النهائية لأي كتاب وفي أي ضرب من ضروب الكتابة (الإبداعية، الفلسفية والفكرية)، ومدى (تأهيل) أعضاء هذه اللجان ليكونوا مرجعية أخيرة لتحديد صلاحية هذا المؤلف من ذاك، والأمر في أغلبه الأعم يخضع لمجموعة بنود وملاحظات تصوغها السلطة تتقيد بها اللجان وعلى أساسها تتم عملية الحجب دون الاعتماد على مرجعية فكرية حقيقية في هذه العملية. قال الراوي: البعض يرى أن منع كتاب ما من النشر أو مصادرته بعد نشره في حد ذاته يتيح لهذا الكتاب إمكانية انتشار أكبر، وأن بعض الكتب ما تحقق لها الذيوع إلا بعد أن أعلنت الجهات الرسمية في بلد المؤلف أو أي بلد آخر/ جهة أخرى ذات علاقة بموضوعة الكتاب، وأن هذا المنع يمثل في حد ذاته بعدا دعائيا للمؤلف ويسهم في اتساع دائرة الطلب عليه بغض النظر عن قيمته الفكرية أو الأدبية أو العلمية، وهو استنتاج يقود إلى نتيجة تفيد في نهاية الأمر باستحالة المنع/ الحظر على الأقل في وقتنا هذا متعدد الوسائل والطرق في النشر والترويج. قال الراوي: من جانب آخر يرى الكثيرون إن المنع والحظر يقودان في أحيان كثيرة إلى محاربة الكاتب نفسه، سواء بمواصلة التضييق عليه من خلال الملاحقات الأمنية، أو بالتهديد بالقتل والتكفير وخلافه، أو عبر العزل والحبس وتحطيم الروح المعنوية للكاتب وحرمانه من مواصلة التأليف وإن تم استثمار منع مؤلفه المحدد من قبل جهات أخرى ونال حظه من التوزيع والانتشار؛ معللين ذلك بأن الخسارة ستكون أكبر وهي تعطل مشروع فكري أو أدبي ربما يكون في بداياته ولم يكتمل بعد! ختم الراوي؛ قال: في كل الأحوال منع الكتب ومصادرتها يدخل في دوائر (الظلامية) وإشاعة الجهل ليس أكثر. استدرك الراوي؛ قال: في السودان أراح التدهور الاقتصادي المريع "المصنفات الفنية والأدبية" من عملية المنع والمصادرة، لأن الناشر والكاتب صارا عاجزين – أصلا – عن النشر! أساطير صغيرة - صحيفة اليوم التالي