عنَّ لي في البداية أن أجعل العنوان "أكل الخريف المدارس" على غرار إجابة ذاك التلميذ الذي أجاب على أحد أسئلة مادة اللغة العربية في امتحان الشهادة الابتدائية في زمان غابر والحكاية حقيقية لم "أنجرها من راسي"، كان فحوى السؤال أدخل كلمة (المدرسة) في جملة مفيدة تقع فيها المدرسة موقع المفعول به، فجاءت إجابة التلميذ "أكل الجمل المدرسة"، ورغم غرابة الإجابة لم يكن أمام المصحح إلا أن يمنحه عليها علامة صاح، فالإجابة صحيحة مائة بالمائة من ناحية القواعد النحوية، كما أنها صحيحة أيضاً بحكم الواقع الذي عايشه ذاك التلميذ، حيث كانت مدرسته مثل غيرها من كثير من مدارس الأرياف في ذياك الزمان مبنية من المواد المحلية "القش والشرقانيات والأعواد"، على هيئة رواكيب وكرانك، وكانت الجمال والحيوانات الأخرى تهجم على مباني تلك المدارس كلما وجدت فرصة ف(تشلعها) وتقضي على قشها، والشاهد هنا في الخرطوم أن الخريف وليس الجمال هو من أكل مدارسها، لهدمه مبانيها وإغراقها في المياه، ولكني عدلت عنه إلى العنوان أعلاه "بجي الخريف والمدارس بتقيف"، وهو مقتبس من مثل شعبي شهير يقول: "بجي الخريف واللواري بتقيف"، وذلك لمناسبة حال المدارس اليوم بعد قراري تعطيلها وتأجيل فتحها بسبب الخريف مع مقتضى المثل. كان فصل الخريف في السابق بل وحتى الآن ولو بدرجة أقل، يتسبب في تعطيل حركة اللواري التي كان لها دور كبير وبارز في ربط أجزاء الوطن ونقل البضائع والبشر من وإلى نواحيه المختلفة، فتتعطل تبعاً لذلك حركة الناس وتتعطل مصالحهم، كما كانت مدارس تلك النواحي مواكبة لمناخها ومتوائمة معه، تغلق أبوابها خريفاً وتفتحها صيفاً، والعكس في المناطق الأخرى، ومنها الخرطوم لم تكن تتعطل في الخريف، ولكن خريف هذا العام قد أجبرها على التعطل مرتين، ومن يدري ربما ثالثة ورابعة طالما أن مصيرها أضحى رهينة في يد الخريف وأمطاره وسيوله، لا أحد الآن يستطيع أن يقطع بموعد محدد لفتح المدارس، من يقرر ذلك هو الخريف وحده، فهل يا ترى ستظل إدارة التعليم هكذا في حالة ترقب ورصد للأحوال المناخية كل عام، مثلها مثل هيئة الأرصاد فيضطرب العام الدراسي ويتقلب بحسب تقلبات المناخ، أم أنها تعاطت مع المشكلة واستنبطت لها حلاً يضمن استمرارية العام الدراسي بلا اضطراب أو تعطيل، قيل أنها تفكر في تغيير موعد بدء العام الدراسي إلى سبتمبر بدلاً من يونيو، وهذا حسن، بيد أنه غير كافٍ، فالله وحده هو مُجري السحاب ومُنزل الأمطار، وما أدراهم فربما شهد سبتمبر نفسه أمطاراً وسيولاً غير مشهودة، خاصة مع التغير المناخي الذي ضرب العالم (climatic change)، لا بد من حلول أخرى تؤمن هذه المدارس من قسوة أي ظرف مناخي مفاجئ وغير محسوب، وتبقيها صامدة أمام أعتى السيول وأغزر الأمطار وأهوج الرياح، وهذا هو المطلب الأول في كل الأحوال، سواء كانت هذه المدارس مفتوحة أو مغلقة. بشفافية - صحيفة التغيير حيدر المكاشفي