في فترة سابقة أودع المراجع العام تقريره العام للفترة من سبتمبر 2007 وحتى أغسطس من العام 2008 منضدة المجلس الوطني أوضح فيه رؤيته عن أداء الأجهزة القومية باستثناء قطاع المصارف و122 وحدة لم تتم مراجعتها لأسباب لم يبينها تقرير المراجع العام وأن 37 وحدة لم تقدم حساباتها لأكثر من خمس سنوات الأمر الذي يفتح باب الأسئلة على مصراعيه حيال جدوى تقديم تقرير المراجع العام سنويا بينما يغض الطرف عن مثل تلك الوحدات التي لم تتم مراجعتها لأكثر من خمس سنوات وهل مبلغ الإعتداءات على المال العام البالغ 2,4 مليون جنيه الذي كشفه التقرير يعطي صورة حقيقية عن حجم الاعتداءات على المال العام وهل هناك فعلا وحدات لا تخضع للمراجعة أو خارج دائرة اختصاصات الديوان كما ألمح التقرير بالقول إن عدد الوحدات الخاضعة لرقابة المراجع العام 255 مما يشي بأن هناك وحدات غير خاضعة لرقابته الأمر الذي يفرض طرح سؤال لمن تؤول مراجعتها ؟ وأين ديوان المراجع العام من تفعيل سلطاته التي خولها له القانون تجاه الوحدات التي لم تلتزم بتقديم تقارير حساباتها في الوقت المحدد ؟. كل هذه التساؤلات برزت في ذاك الحين شاغلة البال عن كنه ودور الديوان في تقييم وتقويم الأخطاء والمخالفات بالوحدات الحكومية ولكن تساؤلات الجميع هذه لم تعد ذات قيمة إذ تكشف لهم أن الديوان نفسه لم يسلم من التجاوزات في إدارة مسيرته ولم يدر بخلد أحد أنه يحتاج إلى من يقومه إذ بين تقرير لجنة مراجعة ديوان المراجعة العامة الصادر في 12 مايو 2008 انفردت بنشره هذه الصحيفة أمس كل موجة الاندهاش لما يحدث بأجهزة الدولة من مخالفات ذهبت من أذهان الناس وحلت مكانها دهشة أكبر لما يحدث بالديوان إذ وضح أن الديوان تجاوز لجنة الاختيار للخدمة العامة بتعيين بعض منسوبيه بعيدا عن الالتزام باللوائح فيما يلي التعيينات والترقيات بجانب عدم الالتزام بالاجراءات الأصولية بخصوص التعاقد والمشتريات وعدم العدالة في منح المكافآت والحوافز بالإضافة إلى أن الديوان لم يلتزم بعدم عمل موازنة المرتبات شهريا مع ضعف الرقابة على الخزينة من حيث الرصد اليومي وغير ذلك من المخالفات التي اكتنز بها التقرير مثل الانحراف في جملة ربط الايرادات للعام 2007 بنسبة 28% حيث بلغت الايرادات المحصلة 4.330.290.64 جنيهمن جملة الربط المقدر ب6.000.000 بنسبة انخفاض بلغت 7% عن العام 2006 وكذلك عدم الالتزام بالاجراءات الأصولية الخاصة بمشتريات قطع الغيار وصيانة العربات مما أدى لدفع 7419.9 جنيه لأشخاص وجهات دون وجه حق ذكرها التقرير بالتفصيل . بالطبع إن ما جاء في التقرير هذا يعتبر بكل المقاييس مؤشراً خطيراً لما وصلت إليه أجهزة الدولة من انحراف إذا كان الجهاز الذي يناط به الرقابة والقوامة على بقية الأجهزة يعج بالمخالفات وأوجه الفساد هذا ما جاء على لسان المختصين الذين استفسرتهم لمعرفة وجهة نظرهم بشأن هذا التقرير فقال المراجع العام السابق لجمهورية السودان الأستاذ محمد علي محسي إن المرء يكاد لا يصدق ما جاء بالتقرير لولا أنه صادر من الديوان نفسه وتساءل باستغراب ودهشة كيف تتم مثل هذه التجاوزات في جهاز يقع على عاتقه مسئولية مراقبة ومراجعة أداء وصرف كل أموال الدولة وقال إن إدارة عدم التزام إدارة الديوان باللوائح فيما يخص التعيينات والتغطيات وعدم الالتزام بالتعاقد في المشتريات ومنح المكافآت والحوافز بطريقة ليست فيها عدالة وأكثر ما يثير الاستغراب والدهشة هو عدم الالتزام بالإجراءات المالية وضعف الرقابة على الخزينة وعزا محسي ما يحدث بالديوان إلى ما يحدث في سائر أجهزة ومؤسسات الدولة وابات أنه واضح أن الديوان لم يقو من الانفلات من مد وجزر المخالفات وأوجه الفساد بالأجهزة الأخرى فجرفته إلا أنه عاد بالقول إن مجرد اكتشاف هذه التجاوزات من أهل وملة الديوان يعتبر نواة لبذرة خير وإصلاح يمكن تترعرع وتنمو إذا ما توفر لها الجو الصحي المعافى واستبعد أن تكون هذه التجاوزات فردية بل اعتبرها مؤشر لضعف الأداء الإداري والرقابي على الديوان وقال إن صرف الحوافز والمكافآت لبعض العاملين يشكل مصدر للشك والريبة وتساءل ما الذي يدعو إلى صرف حوافز إلى العمال والموظفين دون عدالة ؟ ووزير المالية يمنع منح الحوافز والمكافآت للموظفين مقابل أدائهم لواجبهم وقال إن ماحدث بالديوان يحتاج إلى لجنة برلمانية للتحقيق في ما جاء بالتقرير وطالب بفتح ابواب التعيين بالديوان وما سواه من مؤسسات الدولة على مصراعيه وأن يكون الفيصل في الاختيار بين المتقدمين الكفاءة وليس الولاء ودرجة القرابة كما يحدث في كثير من المؤسسات ووصف التقرير بالخطير الذي لا يجب السكوت والصمت على ما جاء فيه . ووصفت الدكتورة بجامعة شرق النيل نجاة يحي إن ماجاء بالتقرير يوضح بجلاء أن الفساد والمخالفات لم تعد حكرا على جهة دون أخرى حتى أنها وصلت إلى داخل أتون ديوان المراجع العام الذي يتوجب ويتوسم فيه القوامة الحقة على المال العام الذي بين يديه في المقام الأول قبل أن يخرج إلى مراجعة ما سواه من مؤسسات، وقالت إنه إذا لم يكن بمقدور القائمين عليه مراقبة أنفسهم وكبح جماح نهمها الأمار بالسؤ فكيف يكون لهم الجرأة على مراقبة الآخرين وقالت إن ما يحدث بالديوان بناء على ما جاء بالتقرير ينطبق عليه المثل باب النجار مخلع ووصفت المخالفات بالديوان بالمثيرة للدهشة والاستغراب وتساءلت كيف يمكن الاعتماد عليه في مراجعة الآخرين إذا تزعزعت ثقة الآخرين فيه بالرغم أن كشفه بواسطة الديوان يعتبر مؤشر للشفافية وطالبت بوضع ترياق ناجع وشافي للحد من تلك التجاوزات وقالت إن أي تجاوزات في أي مرفق مشكلة إلا أن وقوعها بديوان المراجع العام يعتبر كارثة وشنت يحي هجوما على المجلس الوطني الذي يناط به الرقابة على جميع أجهزة الدولة بما فيها ديوان المراجع العام مبينة أنه يهتم بالقضايا السياسية أكثر من القضايا الخدمية والاجتماعية والاقتصادية وطالبته بالالتفات لمثل هذه التجاوزات التي لا يمكن السكوت عنها .