ينتابني شعور غريب كلما وقفت شاهدة على طموحات الشباب وتطلعاتهم، أتأمل تلك العيون التي تبرق طموحا وإصرارا ورغبةً في تحقيق الذات، وسط قيود مجتمعية فرضتها ثقافة العيب التي لا نعلم من أين أتت، ولا كيف غزت مجتمعاتنا العربية، فرغم إيماني المطلق بصلابة ذلك الطموح الذي تتكسر بين جنباته العقبات والصعوبات، إلا أنني بِتُ أتأمل عيون شباب وشابات أرى فيهم نموذج العطاء والرغبة في التغيير للأفضل.. ربما أخذت أخيراً دورا مختلفا خلال إعداد وتقديم برنامجٍ يدعى “الإصرار”، إذ بت تلك الفتاة الناصحة التي تشارك الآخرين أهدافهم، والمؤازرة في طريق إثبات الذات، فأمام العدد المهول من المتقدمين أيقنت أن ما قاله جون ستيوارت نابع من تجربة عميقة، خاصة عندما قال: إن شخصا واحدا يؤمن بقدراته ويصر على تحقيق أهدافه، أقوى من 99 شخصاً لا يملكون سوى الأماني! مئات المتقدمين والمتنافسين على وظيفة غير عادية (معلم شاورما)، أثبتوا لي اليوم أن ثقافة العيب في مجتمعاتنا محاصرة ومهددة أخيراً بالتلاشي، فهؤلاء بددوا مخاوفنا التي تمحورت بعدة أسئلة لعل أبرزها: هل سيرضى شاب خليجي بهذه الوظيفة؟ سرعان ما تبددت المخاوف عندما هلت طلبات المتقدمين، وكانت المفاجأة السارة عندما التقيتهم وجها لوجه، وتأكدت أنهم تقدموا لتحقيق هدف يأملون بلوغه قريبا بكل ما عرفوا من إرادة، غير آبهين بمن قللوا يوما من وظيفة أو مهنة، ومحطمين تلك النظرة السوداوية التي شاعت بين الناس. حيث قيل إن الشباب الخليجي أو السعودي تحديدا لا يريد أن يشق الطريق خطوة بخطوة، إذ ما إن يتخرج حتى تجده يعلن رغبته الجامحة بتولي مهام إدارية ليكون مدير شركة، أو رئيس مجلس إدارة بدوام مكتبي تفوح في أروقته رائحة الطيب والبخور، ولن ننسى ال “كشخة” والبشت.. هذا ما قيل.. لكن انكسار الصورة النمطية لأحلام الخريجين الجدد مفاجأة جميلة بحد ذاتها، لا أملك أمامها إلا أن أنحني احتراما لشباب قالوا اليوم “الشغل مش عيب”، ومن هنا ننطلق نحو حلم أكبر لنكون يوما ما أحد أهم مالكي المطاعم في المملكة.. طموحٌ جميل يعيد للأذهان قصصا عصامية لأكبر تجار المملكة، التي حملت عائلاتها كنية تدل على مهنٍ بسيطة اعتنقوها في السابق، كعائلة الخياط التي اشتهرت سابقا بالخياطة، وهي تملك اليوم أهم محال الملابس التجارية، وعائلة النجار وغيرها.. فما رام امرؤ شيئاً إلا وصله، أو ما دونه! نعم على قدر أهل العزم تأتي العزائم، أؤمن وأنا أقف أمام هذا الطموح الكبير بأنني في المستقبل القريب سأقول مفتخرة شاركت الناجحين فلانا وفلانا أحلامهم عند نقطة الانطلاق، فالناجحون لا ينجحون وهم جالسون ينتظرون النجاح، ويعتقدون أنه فرصة أو ضربة حظ، وإنما يصنعونه بالعمل والجد والتفكير والحب واستغلال الفرص، والاعتماد على ما ينجزونه بأيديهم مهما بلغت البدايات من صعوبة، فكلٌ منا يملك طاقات كبيرة وقوى خفية، لكنه يحتاج أن يزيل عنها غبار التقصير والكسل.. مِن ثم.. ينطلق! هؤلاء هم أهل العزم.