الكلمة كالرصاصة تخرج من فاه الإنسان كما الرصاصة التي لها هدف معين يطلقها القناص ليصيب بها هدفاً ينشده ويبتغيه، والأهداف كثيرة قد يخيب مصوب الطلقة في تحقيق هدفه منها وقد يصيب.. لكن تلعب الظروف المحيطة لحظة إطلاقها دوراً كبيراً في ذلك. قد تخرج منك كلمة عفواً تكون قاصداً بها أمراً آخر لكنها قد تسيء لك ولغيرك دون قصد، وهنا تخفف عنك وطأتها نيتك إذا كانت سليمة وأنت قاصد بها امراً إيجابياً، لكنها تصيب أشخاصاً أبرياء فتسجل خصماً عليك.. كما أن فهم الناس يختلف في تفسير معناها وفق ظرفه الذي يعيشه، فتنزل عليه مفصلة كأنك تعنيه بها، وقد يسبب له ذلك حرجاً كبيراً وأنت أبعد ما تكون واضعاً لها ذلك التأثير.. والأسوأ أن تكون لهذا الشخص مكانة كبيرة في نفسك يصيبه رائشها دون قصد فيظن بك الظنون. هذا بالطبع يحدث في مجتمعات مواقع التواصل الاجتماعي الذي شغل الدنيا والذي يجمع جماعة قد لا تعرفهم جميعاً ولا تعرف طبيعة تفكيرهم ولا صحتهم النفسية، لتلقي مثل هذه الكلمة وتفسيرها في وقعها عليهم، فيعتقدون أنك تقصدهم وتظهر مباشرة ردة الفعل منهم عليك وأنت أكثر براءةً وعفويةً، ولا تستطيع تصويبها لأنك مجرد فعلت ذلك تضيق الدائرة للذين تقصدهم بها، وهنا تكمن الطامة الكبرى وتبحث جاهداً في إيجاد الأعذار ولكن لا تفيدك اعذارك هذه. الآن المتابع لهذه المواقع يجد ان معظم عضوية القروبات في صراع وتلاسن حتى بلغت حدتها عند كبار الناس … وكل إناء بما فيه ينضح. حتى على مستوى قروبات العوائل تجد ان هذه المعضلة قد لحقت بهم وشتت رباطهم وكيانهم.. لذا كنا نقول إن هذه المواقع تقوم في اساسها على المفردة لكن تتوقف على مقدرة كل شخص على تنقيحها قبل ان يطلقها.. فلو كانت مفردة الحديث المتداولة في القروب عن مشكلات الطلاق مثلاً فإن هذا يتطلب منك ذاكرة حديدية لاسترجاع تكوين العائلة وملفها فرداً فرداً لتعرف من الذي طلق فيهم وما هي أسباب هذا الطلاق، لتكون حذراً في بث مفردتك دون أن يصل رائشها لمن هم داخل هذا الإطار، وربما تصيبهم مفردتك دون قصد فتقعد ملوماً محسوراً. وهكذا الحديث ينتقل بمفرداته اياً كانت، فتلحق الأذى بالآخرين وتصب في ذات الوقت برداً وسلاماً على الآخرين، ومن هنا تأتي فكرة «وهج» اليوم في كيف ننقح وننتقي المفردة السليمة في الوقت المناسب والمكان المناسب، وبعدها نطلقها لتصيب هدفاً مناسباً نقصده دون أن نصيب أحداً بأذى، ولكنه أمر صعب، لذا يقولون «يغني المغني وكل على هواه».. فاضعف الايمان في مثل هذه الحالات أن تسعى بالمفردة المنقحة لتحقيق أقل الخسائر لتضييق الفهم الضيق لدى الآخرين فيما تكتب … رغم أني لست من هواة «المتاوقة» في هذه المواقع، فهؤلاء غالباً نسميهم بفاقدي الفكرة أو عديميها او الذين يخافون مما نقول ان يحدث لهم، وهذا اضعف الايمان.. فطالما ارتضيت ان تكون عضواً في اي موقع اجتماعي ان تقول رأيك او تنسحب تدريجياً، لكن ان تبقى وتظل «متاوقاً» فلن تجد احتراماً من بقية العقد، وربما أخيراً أصبحت منقصة وملامة خصماً عليك. الدبلوماسيون في كثيرهم ينقحون الكلمة، ولا اعني بهم الذين يعملون في السلك الدبلوماسي فهذا شأنهم في قروبات دولية قد يتسببون في إفساد علاقات دول بكلمة غير منقحة استراتيجياً، فيزيدون الطين بلةً، لذا في الخارجية ينقحونهم قبل ان ينقحوا كلماتهم في مجتمعاتهم التي يذهبون اليها لتمثيل دولهم. قصدت بهذا الوهج حتى ننقح مفرداته، اننا كثيراً ما نفشل في تنقيح ما نقول فنحدث اثراً بالغاً قد يصيب البعض، لكن قصدنا بريء جداً، ونود ان نقول ان الكلمة الطيبة دواء لداء وعلاج لمرض في فكرهم اذا كانت الكلمة مفلترة نقية ليست حاملة لشوائب تطيش هنا وهناك، فتفعل ما تفعله الرصاصة الخارجة من فوهة البندقية اذا لم يحسن من هو على «التتك» ضاغطاً اصابة الهدف بالنظرة عبر «النشنكة» وهي ذبابة البندقية او السلاح. الكلمة الطيبة مفتاح غير مصدئ يفتح قلوب الآخرين اليك دون جهد تبذله لتجلب قلوبهم نحوك، لذا يقولون «القبول من عند الله»، ونحن نقول نقحوا كلماتكم قبل ان تطلقوها عبر الاثير فتصيب الآخرين في مقتل فتندمون، وربما لا يكون القصد السيئ وارداً، ولكن بعد ان تخرج لا يمكن تثبيتها.. ألم أقل لكم انها كالرصاصة تكون فتاكة. «إن قُدِّر لنا نعود».