*لكل منا مخاوفه التي قد يحرص على إخفائها.. *منا من يخشى الظلام ، أو الأشباح ، أو المرتفعات ، أو الزحام.. *فإن تجاوزت هذه المخاوف حدود المعقول صارت (فوبيا).. *والفوبيا تعريبها مفردة (رهاب) في علم النفس.. *وكاتب هذه السطور كان يخشى الليل على عكس الشعراء والمتصوفة.. *وسبب خشيته له كابوس يظهر له في هيئة (مسخ).. *يظهر له مذ كان طفلاً إلى أن صار صبياً طالب ثانوي.. *ثم ساقته الأقدار في سكة أوصلته إلى التخلص من كابوسه هذا نهائياً.. *فقد فضل المساق الأدبي على العلمي بسبب الفلسفة.. *وحين انتقاله للفصل الثاني- بالثانوية العليا- عرف أن هناك علم نفس أيضاً.. *وخلال دراسته هذه المادة عرف شخصاً اسمه فرويد.. *ومن سيغموند فرويد عرف كيفية التخلص (ذاتياً) من الكوابيس.. *وعند تخلصه منه عرف (أصله) في عقله الباطن.. *فقد كانت امرأة اشتعل فيها (وابور جاز) وتساقط عنها جلدها مع الدماء.. *ومنذ تلكم الليلة تخلص من رهاب الليل وبات يعشقه.. *يعشقه من غير أن يعد (نجومه) ، ولا (لالوبه) .. *والغريبة أن فرويد الذي أنقذ الكثيرين من مخاوفهم كان هو نفسه ذا مخاوف.. *كان لديه خوف عجيب من القطط حرص على إخفائه.. *ولم يعرف العالم رهابه – غير المبرر هذا – إلا من ابنته عقب وفاته.. *وهتلر ونابليون- رغم قوتهما- كانا مثله يرتعبان من القطط .. *ومخرج فيلم الرعب الشهير (الطيور) كان يموت خوفاً من (بيض الطيور).. *وبطل الحروب جورج واشنطن كان لديه رهاب مضحك.. *واجتهد طوال عمره- كرئيس لأمريكا- في إخفائه إلى أن حانت لحظة موته.. *عندها قال (أرجوكم ، لا تدفنوني إلا بعد يومين).. *والغرض من بقاء جثته ليومين هو التأكد من وفاته كيلا (يُدفن حياً).. *والشعوب أيضاً قد تُصاب برهاب جماعي.. *وعالم النفس السياسي- إيريك فروم- تخصص في (رهاب الحرية) تحديداً.. *وقال إنه قد يدفع بعض الشعوب إلى (أحضان الدكتاتورية).. *كما أن للدكتاتوريين رهابهم – كذلك – وهو مصطلح (الشرعية).. *ولذلك فهم يسعون دوماً لاكتساب (شرعية مفقودة).. *وتكثر- من ثم – ظاهرة نسبة (99%) الانتخابية في دولهم.. *أما شعب السودان فهو ذو رهاب (متفرد).. *فالمعارضة – في نظره – أضحت هي (كابوسه) الذي يخشاه.. *فرغم كرهه للنظام فهو يكره المعارضة أكثر.. *وما أن يشرع في (حراك) حتى (يسكن) حين تطل عليه وجوه المعارضة.. *فهي تكمن في عقله الباطن مثل (مسخنا ذاك!!). صحيفة الصيحة