أجمع خبراء اقتصاد على أن تعيين محافظ جديد لبنك السودان المركزي لن يكون مخرجاً أكيداً للأزمة الحالية التي تعاني منها البلاد، وأكدوا أن نجاح سياسات بنك السودان لا ترتبط بأشخاص بل تتعداها إلى التنسيق بين السياسات المالية والنقدية، إلا أن بعضهم يرى إهمية وجود الإداري ذي الخبرة والكفاءة التي تؤهله لإدارة بنك السودان في ظل الظروف الحرجة التي يمر بها السودان حالياً. وبرغم الإشارات المبطنة التي ظل يطلقها مقربون من المحافظ الجديد “حازم عبد القادر” بأن تعيينه بغرض تمكين سياسة النقد الأجنبي في البلاد، إلا أن آخرين يرون أن سياسات النقد الأجنبي لا ترتبط بأشخاص وإنما بسياسات تتم إجازتها ودراستها من قبل الجهات المختصة وأن التعديلات المرتقبة لابد لها من تناغم مع سياسات وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي خاصة في مجال النقد الأجنبي حيث شهد الدولار صعوداً بالسوق السوداء إلى 20 جنيهاً متحدياً سياسات الحافز التي ابتدعها المركزي في حدود 15.90 جنيه. والمعروف أن محافظ البنك المركزي الجديد خريج الاقتصاد بجامعة الخرطوم وأكمل دراسته العليا في بريطانيا، والتحق ببنك السودان، وتنقل في كل إداراته لأكثر من خمسة وعشرين عاماً، حيث تقلد أخيراً مدير الإدارة العامة للنقد الأجنبي في بنك السودان. ويأتي “حازم” خلفاً لعبد الرحمن حسن الذي تم تعيينه أيضاً بقرار جمهوري في ديسمبر من العام 2013م إلا أن كثيرين يرون أن فترته قد شهدت ارتفاعاً غير مسبوق لأسعار الدولار برغم الإجراءات التي اتخذتها إدارته ما عمل على زيادة التضخم وندرة دولار الاستيراد ما فاقم من ارتفاع أسعار السلع. وفور تعيين عبد الرحمن حسن في ديسمبر من العام 2013م، نبه الأمين العام لاتحاد الصرافات مجذوب جلي، وقتها إلى أن أهم التحديات التي تجابهه تكمن في التحكم في سعر الصرف والذي يمثل أكبر التحديات الاقتصادية خاصة في ظل تعدد أسعاره وتسببت المشكلة في خروج الاستثمارات الأجنبية من البلاد، إلا أنه قال إن مرحلته تتطلب اتخاذ قرارات قوية وحاسمة للكثير من الإشكالات. والمعروف أن عبد الرحمن حسن المحافظ المقال قد جاء من بنك أم درمان الوطني بعدما كان مديراً له عقب قرار رئيس الجمهورية بإعفاء محمد خير الزبير من منصبه الذي تقلده في ديسمبر من العام 2011م، عندما انتهت ولاية المحافظ الأسبق صابر محمد الحسن. ووفقاً لقانون بنك السودان المركزي (تعديل) لسنة 2012م، فإن رئيس الجمهورية يُعيِّن المحافظ ويشترط فيه أن يكون من ذوي المؤهلات والكفاءة والخبرة ووفقاً لذات القانون فإن مدة المحافظ خمس سنوات، كما تكون مدة أي من نائبيه ثلاث سنوات ويجوز إعادة تعيينهم. ويترأس المحافظ مجلس إدارة بنك السودان، ليقوم بتنظيم سياسة البنك بما يحقق أغراضه، وإدارة شؤونه العامة وأعماله على أسس سليمة، بجانب إقرار السياسات النقدية وتحديد سياسات سعر الصرف للعملة الوطنية، وتحديد الاحتياطي الذي يحتفظ به البنك. وحازم عبد القادر أحمد هو الشقيق الأصغر للدكتور كمال عبد القادر الطبيب المعروف ووكيل وزارة الصحة الاتحادية الأسبق، ونشأ وتربى في ولاية الجزيرة وتحديداً في الحي الشرقي بالحصاحيصا. يقول عنه مقربون بأنه شخصية متزنة يستطيع إدراك ما حوله بسهولة ويتعامل مع كل الأمور بهدوء، وله قدرة فائقة على إيصال المعلومات بحذاقة، وهو مدير الإدارة العامة للأسواق المالية، وهي إدارة عامة تتبع لقطاع الاقتصاد والسياسات. ويرى الخبير الاقتصادي هيثم فتحي أن الحل ليس في إقالة عبد الرحمن حسن من البنك المركزي وتعيين محافظ جديد لأن تغيير الأشخاص – والحديث لفتحي – غير مؤثر ولأن السياسات المالية والاقتصاد الكلي يجب أن تتوافق مع السياسات النقدية. ومضى هثيم في حديثه ل(الصيحة) منوهاً إلى أن التغيرات في أسعار الصرف ليست مبنية على ركن واحد، ولكن على العديد من الأركان؛ منها التشغيلية كالزراعة والصناعة لزيادة الاحتياطي النقدي. ويضيف أن المحافظ الجديد لن يضيف جديدًا إن لم تخدمه الظروف السياسية والدبلوماسية للبلد عامة، لذلك على للمحافظ الجديد أن يعيد دراسة قرارات السياسات المالية والنقدية حتى يتسنى للمستثمرين اتخاذ قرارات جادة بخصوص الاستيراد والتصدير، وأن يقوم بكيفية إعادة التوازن للبنوك والمصارف عامة خاصة المملوكة للدولة حتى يتسنى لها القيام بدورها أو دمج تلك المصارف وإيجاد مخرج لأزمة التحاويل المصرفية من وإلى البلاد بجانب مكافحة الفساد المالي والإداري في استغلال موارد البلاد من النقد الأجنبي، وما حادثة دولار الدواء ببعيدة وأن يتيح استخدام التمويل للقطاعات الإنتاجية. والعمل على تكاملية السياسات النقدية والمالية والاهتمام بتطبيق المعايير الدولية في مجالات العمل المصرفي والعمل على تخفيف تركز ملكية أسهم المصارف لدى عدد محدود من المساهمين والتركيز على تنفيذ وتسهيل تطبيق سياسة الشمول المالي ومراجعة سياسات التمويل كافة بما يتماشى مع متغيرات الافتصاد الأخرى والاهتمام والتركيز على تطوير سوق الأوراق المالية ليلعب دورًا أكبر في الاقتصاد ومراجعة لوائح تصنيف المصارف. ويقول فتحي في هذا الجانب: لابد من وضع الاعتبار لتخصص كل بنك حسب اللائحة التي تم بموجبها التصديق له للعمل وضرورة وضع معايير للرقابة والمقارنة تراعي الاختلاف بين البنوك وعملها وتخصصها، إلا أنه يرى أن إدارة الاقتصاد ليست مهمة شخصية وإن كانت الخبرة مطلوبة مع عدم الارتهان لفكر أو مدرسة أو أشخاص ذوي نفوذ سابق أو حالي، ويدعو إلى عدم الانشغال بالقضايا الروتينية الكثيرة في القطاع المصرفي والتركيز على المسائل الكبرى على مستوى الاقتصاد الكلي “التضخم – سعر الصرف – معدل النمو – الحظر الاقتصادي والمصرفي”. من جهته يرى الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الناير أهمية أن ينتهج بنك السودان في مرحلته المقبلة نهجاً مختلفاً عما كان فى السابق، ولابد من إحداث تقدم في مجال استقرار سعر الصرف الذي يعتبر تحدياً كبيراً للاقتصاد السوداني بجانب معدل التضخم، مبيناً أنها تعتبر من المهام الأساسية لبنك السودان بالتنسيق مع وزارة المالية، ويقول الناير: لابد من ترتيب توفير التمويل في البرنامج الخماسي الذي يجب أن يكون لإجل الإنتاج والإنتاجية لأن التنفيذ في سنواته الأولى كان دون المستوى، ويقول: هذه الخطوة تحتاج إلى سنوات يتطلب مساراً أخر قصير المدى يتمثل في إصدار قرارات تشجع المغتربين من خلال الموافقة على حزمة من الحوافز مثل الإعفاءات الجمركية أو إيجاد بدائل مثل منح الأراضي وغيره، وهذا بالطبع يتطلب زيارات ميدانية للمغتربين في أماكنهم للموافقة على ذلك، خاصة وأن تحويلات المغتربين تبلغ حوالي 6 مليارات دولار سنوياً. ويطالب الناير بتنفيذ شراء الذهب وإنشاء بورصة للذهب، بعد إجازة اللجنة الفنية بالقطاع الاقتصادي بمجلس الوزراء دراسة وزارة المعادن التي أوضحت أن إنشاء البورصة يمكن أن يحقق ما قدره 3 مليارات دولار مع إيقاف تدخل بعض الشركات في مسألة الشراء للصادر إضافة إلى التنسيق مع المالية لخفض الإنفاق العام لأنه يؤثر بإيجابية في معدل التضخم مع التحرك في جذب الاستثمارات الخارجية التي تحتاج إلى قرار اقتصادي شجاع لم يتحقق إلى الآن.