كشفته دراسة: ثلث المواطنين يعانون الغلاء والرهق النفسي باحث اجتماعي: حياة الإنسان البسيط باتت لا تطاق باحث نفسي: المواطن مصاب بشعور نفسي خطير ربما الشيء الوحيد الذي لم يتم استيعابه.. أن يفقد الإنسان السيطرة على أعصابه، ويفكر في التخلص من حياته من أجل الراحة، وفي بعض الأحيان عندما يصاب بخيبة أمل تتسرب إليه الأفكار التي تحوله لمعتوه، هذا ما حدث للمواطن (عثمان ) البالغ من العمر (45) عاماً، عندما أعلن عجزه عن توفير لقمة عيش أسرته، وقرر أن يحصل على الغذاء مقابل السمعة، فقد دخل سوبر ماركت (…) الواقع بمنطقة الصحافة شرق بالخرطوم والذي عرف بارتفاع أسعاره ، لم يبال لكاميرات المراقبة الموضوعة على أركان المحل، فقد ملأ (سلته) وبدأ يفكر في طريقة الهروب، ولكن عند المدخل تم إيقافه بتهمة سرقته مواد تموينية تتمثل في (بسكويت كابتن ماجد معكرونة وصلصة ومقرمشات وجبنة وزيت) دون أن يدفع الحساب، وعند محاولة الاعتداء عليه من جانب أصحاب المحل انكفأ على راحتيه وبدأ في البكاء بأعلى صوته وقال (الواحد في البلد دي ما ممكن يأكل ولا يشرب). حالات متبعثرة ثم فر هارباً من المكان يجرجر أذيال الهزيمة، وانصرف وهو يتحدث إلى نفسه (أجيب من وين هسا .. والأولاد ياكلوا شنو ؟) ثم غاب عن الأنظار. الحالة التي وصل إليها (عثمان) بسبب الحاجة يعاني منها الكثيرون، فقبل يام جاء في صدر واحدة من الصحف خبر عن محاولة انتحار رجل ثلاثيني نتيجة لعدم تمكنه من توفير لقمة العيش لأطفاله، ولغول ارتفاع الاسعار الذي طال كل شيء غير أن أفراد من الشرطة تمكنوا من إنقاذه قبل أن يلقي بنفسه أمام شاحنة في أحد شوارع أمدرمان، ونفس الموقف حدث قبل عام ولكن بتفاصيل مختلفة، ورصدت (الصيحة ) من خلال متابعتها لمعاناة المواطنين من ارتفاع المعيشة حوالي (35) محاولة انتحار بين الجنسين (نساء ورجال) في أعمار لا تقل عن الثلاثين في غضون ثلاثة أشهر ماضية، كما ورد في تقرير أجرته إحدى الصحف الاجتماعية، فيما أكد خبراء تغذية أن نسبة (99%) من حالات فقدان العقل (المجانين) في الشارع العام نتيجة للجوع والمشاكل الناتجة عن ارتفاع الأسعار، فيما توقع خبراء علم النفس ارتفاع الأمراض النفسية نتيجة الأزمات الاقتصادية خلال المرحلة المقبلة. الحياة صعبة الازدياد المستمر للأسعار كافة، وضع المواطنين بين كفتي (الشيطان) وهي (الديون والهروب) من المسؤوليات، هذا ما أشار إليه عدد من المواطنين الذين تحدثوا ل(الصيحة) حول القضية، مبينين أن ارتفاع تكاليف المعيشة أصابهم بنوع من الخوف والتوجس وعدم الاستقرار، كما ساهم في ازدياد حالات (النسيان) التي تؤدي إلى مرض الزهايمر مع مرور الوقت، إلى جانب (السرحان) والتفكير المستمر والحسابات السرية غير المعلنة التي يحدث بها الإنسان نفسه سواء في الشارع أو عند جلوسه وسط الأسرة أو غيرهم، فبالنسبة للمواطنين القضية خطيرة جداً وبحاجة إلى معالجات جادة واهتمام من الحكومة، وذلك عبر دعمها للغذاء أولاً ثم النظر في قيمة الفواتير الشهرية التي تقضي على (المرتب) الشهري، وأضاف عدد من ذوي الدخل المحدود أن الحياة المعيشية صارت أكبر من طاقة المرتب الذي ينفق نصفه على المواصلات وما يتم تخصيصه لشراء المواد الاستهلاكية قليل جداً مما أدخلهم في سلسلة من الديون التي تأزمت معها حياتهم الأسرية. حالة طبيعية وبالعودة إلى قصة المواطن (عثمان) الذي فكر في السرقة ليشبع (بطن) أبنائه فيرى عدد من المواطنين الذين شاهدوا الموقف أن حالته طبيعية جداً، وبلا شك أنه حاول البحث عن وسيلة لكنه لم يجد، فقرر السرقة وأشادوا بتصرف أصحاب المحل الذين لم يعتدوا عليه بالضرب وذلك لهيئته المحترمة والتي تشير إلى أنه موظف لكنه مغلوب على أمره وخذله المرتب، في إطار ذلك يرى المواطن (رضا عبد المنعم) أن الوضع المعيشي الصعب تسبب في الكثير من المشاكل والانحرافات، وأضحى من الصعب على المواطن البسيط أن يقتني كل ما يريده من مستلزمات دون الدخول في الديون وأزمات من شأنها ان تدخله في (حتة ضيقة) لا يحمد عقباها، واعتبر أن الحالة التي وصل إليها (عثمان) وغيره من المواطنين ناتجة من قلة المال وانتهاء المرتب الذي لم يعد يكفي ليومين. أضخم مشكلة ووافقته الرأي المواطنة (نعمة الكاشف) التي أكدت أن غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار من أضخم المشاكل التي تواجه السودانيين في الوقت الراهن، والتي أدت إلى مشاكل أخرى أسرية واجتماعية واقتصادية ونفسية، وأن الحكومة غير قادرة على تحمل مسؤولية المرحلة، وذلك للارتفاع المتكرر للأسعار، والقرارات التي لم تأت في صالح المواطن يوماً، وإنما نجحت في دعم الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة وتعزيز سيادة القانون وغيرها، لكنها فشلت في محاربة الغلاء الذي ضرب أطنابه في كل منزل، وترى الحلول في الجدية وتوفير الدعم اللازم لمعالجة المشاكل كافة، واتخاذ قرارات ناجعة لمحاربة الفقر والبطالة وحماية المستهلك من أطماع التجار، فيما توقع المواطن (سليمان حامد) موظف بأن يبقى الحال كما هو عليه مع ازدياد في نسبة انحراف الشباب والسرقات وغيرها من السلوكيات التي يكون الاحتياج سببًا مباشراً فيها، وتوقع أن يزداد الوضع الاقتصادي سوءاً خلال الأشهر القادمة . زيادات متعددة وأظهرت دراسة قامت بها دكتورة (مريم الهادي) من مركز الهدى للدراسات الاستراتيجية، أن كلفة المعيشة ارتفعت بنسبة (80%) خلال الثلاثة أعوام الماضية، وأن ثلثي المواطنين يعانون الغلاء ومثلهم يقلقهم استشراء الأزمة، وأشارت الدراسة إلى أن سوق المواد الغذائية والاستهلاكية شهد زيادة عالية فاقت نسبتها ال(100%) خلال العام الجاري، وليس في مقدور المواطن تحمل الكثير حيال هذه الظروف، ونجم عن الارتفاع مستجدات خارجة عن السيطرة، وقالت الدراسة إن غلاء المعيشة له نتائج ظاهرة من خلال عجز المواطنين عن توفير حاجاتهم الإساسية والقدرة على شرائها، وله نتائج غير مباشرة من تحول نسبة كبيرة من الطبقة متوسطة الدخل إلى قسم الطبقة الفقيرة، وسعى بعض المواطنين للحصول على المال بطرق غير شرعية كالسرقة والرشوة والاحتيال والابتزاز وغيرها من السلوكيات غير الإخلاقية. هيستريا الغلاء وأوضحت الدراسة أن المتطلبات المعيشية الباهظة وسوء التصرف، وعدم ضبط وجوه الإنفاق تسببت في إصابة الكثيرين بعدم الاستقرار النفسي والأسري، تفكك جراء ذلك النسيج الاجتماعي. وفي سياق ذلك قالت دكتورة (منال حسن أحمد) استشاري الطب النفسي والعصبي إن ارتفاع الأسعار والزيادات المستمرة لتعرفة المواصلات، والسلع الاستهلاكية وإيجارات المنازل والعلاج والتعليم تؤدي لآثار نفسية سالبة على المدى القريب، وأخرى على المدى المتوسط والبقية على المدى الطويل، ومن ناحية أخرى فإن المواطن البسيط ورجل الشارع العادي سوف يشعر بالاستفزاز الشديد والغبن والرغبة في التشفي وهذا يؤدي إلى أعمال عنف واضطرابات وحرائق باعتباره محترقًا أصلاً بهذه الأسعار، فيولد ذلك انفجاراً داخلياً يفتح الأبواب للعديد من الأمراض التي تؤدي إلى الموت وفي مقدمتها (الجوع) الذي يمكن تسميته بالمرض القاتل، باعتباره مسبباً لكل الأمراض النفسية والعضوية التي تصيب الإنسان. تخوف من المستقبل وتواصل د.(منال) حديثها مشيرة إلى وجود آثار أخرى خطيرة تنعكس على الأسرة تتمثل في صعوبة تلبية الاحتياجات وحدوث مشاجرات ومشاحنات زوجية لا تهدأ، وتدهور المستوى الأكاديمي للأبناء لانشغالهم بالمشاكل اليومية التي يشاهدونها في المنزل، وهذه كفيلة بأن تقود إلى تدميرالأسر والأجيال معاً، أما على المدى البعيد تضيف بأن هنالك شعور نفسي يصيب المواطن متمثل في عدم الاطمئنان للغد، وعدم الثقة في المستقبل. وحول معالجة إفرازات أزمة الغلاء المعيشية اقترحت أهمية التدرج في إصدار القرارات الصحيحة، وتهيئة المواطن قبل كل شيء، بجانب توفير الدعم اللازم لمقابلة الاحتياجات الضرورية والسماح بالتعبير عن الرفض طالما أنه سلمي، ولم يصل حد التخريب والمعارضة، مع محاولة إدارة حوار مع المواطنين لامتصاص غضبهم وانفعالاتهم، وهذا يمثل صمام أمان من الناحية النفسية. قلق اجتماعي وحول وقع الغلاء على سلوكيات المجتمع، تقول الباحثة الاجتماعية (اعتماد عثمان الفادني) إن غلاء المعيشة من القضايا الوطنية ذات الصلة باستقرار وأمن المواطن، فعندما تتأثر الأسرة كما هو واقع الحال الآن من جراء ارتفاع الأسعار فهذا التأثير المتمثل في ضيق اليد وكثرة الاحتياجات، وعدم قدرة رب الاسرة على تلبية الاحتياجات الأساسية لأسرته، يؤثر تأثيرًا بالغاً عليها ويشعرها بنوع من القهر ويدخل رب الأسرة في مشكلات مستمرة لا حصر لها، وهذا بلا شك يؤدي إلى نوع من القلق الاجتماعي العام، الذي لم يقف على بيت واحد أو أسرة بعينها، وإنما يمتد ليشمل كل الأسر ذات الدخل المحدود، وهي التي تمثل الأغلبية، بالتالي أصبحت حياة المواطن البسيط لا تطاق في ضوء الارتفاع المذهل في أسعار السلع على اختلافها فيكف يمكنه أن يجابه الحياة في ظل تعثر الأمور، وتساءلت عن السبيل إلى أسرة بلا ديون؟ تفكك أسري وتبعاً لما أشارت إليه (اعتماد) فإن للغلاء دور مباشر في ارتفاع نسبة التفكك الأسري لأنه يزيد من ضغوط الحياة على الفرد والمجتمع، كما أنه دفع بعض الآباء للخروج منذ الصباح لتوفير مطالب ومصروفات الأسرة، بالإضافة إلى خروج الأم للعمل الذي أفقد الأسر تماسكها الاجتماعي، وأصبحت بعض البيوت في الوقت الراهن أشبه بطاحونة يفر أفرادها من تحت أضراسها، واعتبرت موجة الغلاء التي يعاني منها السودان بمثابة فتيل مشتعل يهدد الحياة الزوجية، وأدى إلى تفشي ظواهر منها العنوسة وعزوف الشباب عن الزواج والهروب من المنازل، ودعت إلى توحيد أسعار السلع، وإرجاع التعاونيات بالأحياء السكنية ومراجعة أجور العاملين بمؤسسات الدولة الخاصة والعامة، وناشدت الأسر باتخاذ التدابير اللازمة لمجابهة الوضع المعيشي. الخرطوم: إنتصار فضل الله