مازالت ازمة السيولة وشح الكاش في البنوك والصرافات الآلية تقف عقبة امام الانشطة الاقتصادية كافة وتلقي عبئاً كبيراً على المواطن في عناء البحث عن الصرافات للحصول على نقود، ومشاهدات (الإنتباهة) من امام صفوف الصرافات رسمت الواقع المرير لآلاف الاشخاص المتكدسين (رجالاً ونساءً) امامها، مما يؤكد ان المشكلة لم تعالج بصورة نهائية في ظل اعلان حكومة رئيس الوزراء معتز موسى بقرب انفراج الازمة التي افرزت بدورها ممارسات سالبة، منها بيع الشيك بالكسر في علمية توافق اهل الرأي على انها نوع من انواع الربا، وشدد عدد من المختصين في المجال الاقتصادي على انها عملية تهدم قواعد الاقتصاد وتؤدي الى المزيد من تدهور العملة الوطنية. وقوف لساعات وفقاً للمواطن (محمد الطاهر) فقد قال ان ازمة الكاش تؤثر سلباً على القطاعات الانتاجية والتجارية بشكل عام، بجانب آثارها السالبة في المدى القريب، حيث ادت الى ضعف القوة الشرائية، مؤكدا ان القرار مازالت آثاره في الاسواق والمعاملات التجارية، وقال: نتمنى الا يأخذ زمناً اكثر، لجهة ان النقطة الجوهرية في تأثيره الكبير على التجار الذين احجم العديد منهم عن التوريدات للمصارف تخوفاً من عدم تسهيل السحب في وقت لاحق. دراماتيكية وتستمر جولتنا بالبنوك، حيث اشتكى عدد من العملاء من عدم إمكانية سحب أموالهم المودعة في حساباتهم، وقد شهدت صالة بنك ( ت. س) حالة من الضجر لجهة أن الإدارة قد منعت صرف ما يزيد عن الخمسة آلاف جنيه فقط للعميل، فيما استرد عدد من العملاء شيكاتهم التي لم يتم صرفها، وكانت الصحيفة شاهدة على الأحداث واستطلعت عدداً من العملاء الذين أقروا في حديثهم بأن البنك قد عجز عن تسليمهم المبالغ التي يريدون صرفها بالرغم من قلتها، وفيهم من أكد أن هذه العملية التي وصفها بالدراماتيكية ظلت تتكرر لفترة. استفحال الأزمة عدد من المواطنين جأروا بالشكوى من انعدام السيولة في البنوك والصرافات، وشكت مواطنة ( م. ع) من انتشار حالة تصيد الموردين من قبل اصحاب الشيكات، واضافت انها حال دخولها في البنك اوقفها احدهم وسألها ان كانت تريد ان تودع نقداً، وانه ينتظر منذ الصباح الباكر، ووجد كل المصطفين ذوي حاجات مرضية او علاجية او مصاريف دراسية، واكدت أنهم يسمعون عن اقتراب انفراج الازمة الا انها مازالت موجودة وفي حالة استفحال، وما يحدث من وجود في البنوك ضياع للزمن والصحة. وروت غادة التوم قصتها بأنها ذهبت لاحد البنوك حتى تسحب تحويلة لمريضة بالسرطان قيمتها (15) الف جنيه، الا انها فوجئت بموظف البنك يخبرها بانعدام السيولة في البنك، وعليها ان تذهب وتقف في الصفوف التي تنتظر تغذية صرافة البنك وتسحب منها ما تريده، على الرغم من انها تحمل معها الاوراق التي تثبت انها تحتاج للمال حتى تأخذ المريضة جرعتها الراتبة. فيما كان الموقف من قبل موظف البنك مع الحاج محمد التاي مختلفاً عندما طالب بسحب نقوده لعلاج ابنته، وانه لا يملك اية وسيلة للتصرف لكبر سنه، فكان رد الموظف (ما عندنا حل الا الموت والخزنة فاضية). عائق كبير ولم تسلم الزراعة من ازمة السيولة، حيث قال امين الغرفة الزراعية بالقضارف عبد المجيد علي التوم انها من اكبر المشكلات التي واجهت الموسم الزراعي ومثلت عائقاً كبيراً للمزارعين، وتأثيرها فاق أزمة الوقود، ومازالوا يعانون منها لأن كثيراً من المحاصيل لم تبدأ عمليات حصادها بعد، مما ادى لانتشار الكسر والربا ووصلوا مرحلة القروش بقروش. عملية ربوية واكد استاذ الاقتصاد بجامعة المشرق بروف عصام الزين ان عملية كسر الشيك ربوية تماماً وتستدعي تثقيف الناس بأن هذه العمليات حرام شرعاً، لانها بدلاً من تطهير اموالهم يتم تلويثها، واوضح خلال حديثه للصحيفة أن تأثيرات هذه الممارسة اقتصادياً تنعكس على القوة الشرائية للعملة السودانية وتؤدي لاضعافها بشكل اكبر، وتفرز زيادة في الاسعار بالاسواق وزيادة معدلات التضخم. فقدان ثقة وعاد عصام للقول ان النقود لا بد ان تأخذ دورتها الاقتصادية الطبيعية، ولكن في الفترة السابقة وبسبب ان المواطن فقد الثقة في المصارف الآن تعاني الاخيرة بعد ان كانت تبني على الودائع الموجودة بها عملية خلق النقود (النقود الائتمانية) مع التي تخرج من البنك المركزي المحددة بشروط الزيادة في اجمالي الناتج المحلي والاحتياطي من العملة الاجنبية، وتعويض التالف من العملة المستخدمة وهي التي تؤثر في طباعة النقود، واضاف قائلاً: هذه الاشتراطات الآن تعاني من مشكلات انخفاض وتآكل، والتالف من النقود نسبته ضعيفة لأنه لا يتم جمعها وحرقها واستبدالها باخرى جديدة، ولذلك مشكلة السيولة مرتبطة بالنقود سواء كانت الاصدار او الائتمانية، فاحدثت (ربكة) كبيرة، مما اظهر العمليات في الاسواق، وهذا يزيد من تدهور الأموال. (كل شيء بحقو) مصدر من اتحاد الصرافات قال ان ازمة السيولة افرزت العديد من المظاهر السالبة، منها عملية (كسر الشيك) التي بدأت باصطياد العملاء من خارج البنوك ومساعدتهم في عملية التوريد للخزانة وتطورت بأخذ الوسيط لمقابل نحو هذه الخدمة، وكشف ان بعض ضعاف النفوس من موظفي البنوك قبل تحكم ادارة السيولة استغلوا هذه الازمة قبل استفحالها بنسبة محددة يتم توزيعها على كل من يسهم في حل المشكلة، واردف قائلاً: اصبحت العملية كما يحدث في سوق العملة وتتم خارج المصرف تماماً، والآن اصبح بعضهم وسيطاً للحصول على السيولة ذات الارقام العالية (وكل شيء بحقو)، وشبّه صفوف الصرافات بالطلمبات وقال اصبحت "بالحجز" ومتابعة الصرافات التي فيها تغذية مستمرة. أزمة مفتعلة واشار المصدر الى ان الازمة مفتعلة من قبل جهات تحارب من داخل الدولة عملية الاصلاح الاقتصادي التي يقودها وزير المالية للحفاظ على مصالحها، وتسعى لفتح جبهات الازمات عليه كلما تمكن من رتق اي كسر يواجهه ، واستدرك ان قرار ايقاف التعامل النقدي خلال العام القادم غير منطقي لوجود قرى حتى الان ليس فيها نافذة مصرف ناهيك عن فرع وهذا يستدعي جمع كل المواطنين في بوتقة الحكومة الالكترونية في كل التعاملات المالية للمستشفيات والجامعات والمدارس والبدء بالمؤسسات الحكومية واعطاء الشيك قوته لانه كالذهب ولا يطلقون عليه شيكاً مصرفياً ووضع اشتراطات التعامل بها لمحاربة السوق الموازية للعملة الوطنية ما بين الكاش والنقدي. انفلات وانهيار وأرجع المحلل الاقتصادي د.خالد التجاني اسباب الظواهر الى انها نتيجة الاوراق النقدية وليست السيولة والتي اتت نتيجة للانفلات وانهيار قيمة العملة الوطنية والتي زامنتها اجراءات الحكومة بتحجيم السيولة وتحويل الدولار الى مخزن قيمة ، وقال : ايضاً البنك المركزي لم يصدر فئات كبيرة من العملة الوطنية تواكب اجراءات الدولة وهي نتيجة ضعف الاداء الكلي للاقتصاد السوداني منذ انفصال الجنوب وهي اسباب هيكلية وهي لا يمكن معالجتها باجراءات محدودة بل تحتاج الى الوقت ومعالجات كلية وليست جزئية لحاجة البلاد الى فئات نقدية تطبع خارج السودان واصدار هذه العملة يحتاج للزمن ايضاً. وذهب التجاني في تعليقه على ان ما يدور يصب في جانب الحرب على السياسات الاقتصادية الجديدة الى القول انه لا توجد جهات تحارب معالجات رئيس مجلس الوزراء ، ولكن توجد بعض المؤسسات الحكومية غير متجاوبة مع السياسات الجديدة لانها تضررت منها كذلك محاولة تحجيم دور الشركات الحكومية الكبيرة ذات النفوذ والتي ان لم تلتزم ستكون احد اسباب استمرار الازمة لوقت اطول. ويذهب عدد من الخبراء في المجال في اتجاه القول إن الازمات زادت حدة حال اعلان وزير المالية لسياساته الاقتصادية الجديدة لانقاذ ما تبقى من العملية والنشاط الاقتصادي الا انها وجدت من يحاربها بافتعال المزيد من الازمات كلما لاح بريق امل بانتهائها حفاظاً على مصالحهم .. محاذير ومخاطر وذكر الخبير الاقتصادي بروف ميرغني بن عوف، أن قرار الحكومة بتحجيم وحجب السيولة في جميع المصارف وفروعها الذي ادى إلى توقف كل أجهزة الصرف الآلي عن تقديم الأموال لأصحابها عن عمد، كان النتيجة الحتمية والمتوقعة، وأن القرارات غير المدروسة والمرتجلة ستؤدي الى عواقب وخيمة على المواطن ورجال الاعمال والحكومة علي حد سواء، وقال إن رد الفعل باستثناء القليل الذي طالته هذه القرارات أن اسرع اصحاب الاموال بسحب اكثر من حاجاتهم، مما شجع اللصوص على ترصد المنازل، وشجع وسطاء (الكاش) على مبادلة الشيكات بقيمة اقل منها . كما ارتفع مستوى شراء الخزانات وارتفعت أسعارها، وذهب بعضهم الى إحياء مقابر العملة القديمة خوفاً من السطو عليها من قبل البنك المركزي . وابان ميرغني أنها قادت لانهيار الثقة تماماً في المصارف، وذهب أصحاب الأموال الضخمة والاستثمارات المالية يشترون الدولار ويفتحون حساباتهم خارج السودان، وهو احد اسباب ارتفاع سعر الصرف، وكان لزاماً عليهم فعل ذلك للإيفاء بالتزاماتهم المالية تجاه الغير . وختم ميرغني حديثه بدعوة الحكومة والمجتمع واصحاب الاعمال الى الحذر من خطورة هذه القرارات على الوضع المعيشي لجميع الناس اغنياء وفقراء، باستثناء المتنفذين الذين لا تطولهم هذه القرارات، وإن لم تلغ هذه القرارات فستتبعها تداعيات على الأمن القومي والاقتصاد ومعايش المواطنين.