من الملاحظ والمشهود ان أغلب قيادات (قحط) الحاكمة الآن الوزراء منهم والسفراء وقادة الخدمة العامة قدموا لبلادنا من نعماء الشقق الأجنبية، الى رمضاء المساكن الشعبية حيث يحاصرهم العامة بتعقيدات لا يملكون لها حلاً ولا إجابة. هذه المجموعات من الخبراء الاجانب افسدتهم اموال المنظمات، وعواصم الضباب فما ان زالت متعة المواكب حتى أطل ضعف العناكب، ودخل عليهم عملاق الأزمات (اب شنب) بقامته المديدة ويده المعروقة، وقدم لهم العرضحال الشهير الذي اكتشفوا بعد قراءته أن أمن البلاد قد صار يومية تحري، وان رزقها قد تحول الى كفاف، وان صحتها قد اضحت عنبراً مهجوراً، وأن شبابها قد أصبحوا مجاميع من الغاضبين واليائسين. باختصار قد أمسك شيطان التفاصيل بتلابيبهم ومعه رجل الراهن بغلظته يطالبهم بالسداد الفوري، بعد أن ركل الغرب الجاحد (قرعة الشحادين). وتفاجأ المساكين أنهم لا يعرفون مواجع الرجل السوداني ولا لواعج المرأة السودانية ولا مخاوف الصبيان والصبايا. إن (حناكيش) التحالف اليساري العائد من الخارج للمهمة الخائبة يذكرني بحكاية طالبين من اولاد المصارين البيض كانا يدرسان بجامعة الإسكندرية، ويستأجران شقة فاخرة مطلة على البحر كل شيء فيها منظم ومرتب وانيق وسارت حياتهم في يسر ودعة حتى كانت المفاجأة؛ فقد زار مزارع طيب قريب والد أحدهما بالخرطوم مودعاً وأخبره بسفره للقاهرة لإجراء جراحة، وسيقضي اسبوعا بالاسكندرية لتجديد الهواء لآلام قديمة في الصدر. فقال له رجل الأعمال: من محاسن الصدف أن رفعت إبني وصديقه هيثم لهما شقة بالاسكندرية (برحة) ، وبها غرفة خالية فلن تحتاج للإيجار، فاذا وصلت صباحاً ولم تجدهما فهنالك مفتاح عند سيد المصري بواب العمارة، فيمكنك أخذ قسط من الراحة الي أن يحضرا. وفعلا جاء المزارع الخشن واستلم مفتاح الشقة من البواب، وكان مرهقا من وعثاء السفر، فألقى على عجل عباءة الصوف الثقيلة على كرسي الجلوس الوثير، واخرج جلبابه البوبلين وألقى بالعمامة والشال في الكرسي المجاور، وعارض العصا الكريزة على كرسي آخر وتوسط المركوب الفاشري (الكنغ سايز) صدر الشقة، وراح في سبات عميق وشخير (يجيب الضهبان) ورائحة عرقه تملأ الشقة، مبددةً البخور العدني والمنظفات المنعشة. وعند تمام الثالثة ظهرا دخل الصديقان (أولاد ميكي) الشقة وشاهدا المفاجأة غير المنتظرة رجل سوداني (أخضر غامق حدادي مدادي) يستلقي على السرير، يتنفس في عسر جهير وقد ملأت ملابسه الردهة، وكسرت حقيبته النشاز انسجام الشقة الفارهة، فصرخ رفعت في دهشة تقارب الاغمائة ( كُرْ علينا يا هيثم في بيتنا رجل!)