عالم فلك يفجّر مفاجأة عن الكائنات الفضائية    فيتش تعدل نظرتها المستقبلية لمصر    السيد القائد العام … أبا محمد    اتصال حميدتي (الافتراضى) بالوزير السعودي أثبت لي مجددا وفاته أو (عجزه التام الغامض)    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    هيفاء وهبي تثير الجدل بسبب إطلالتها الجريئة في حفل البحرين    قطر.. تنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم الصادرة    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    والى الخرطوم ينعى نجل رئيس مجلس السيادة    قبل قمة الأحد.. كلوب يتحدث عن تطورات مشكلته مع صلاح    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    وفاة محمد عبدالفتاح البرهان نجل القائد العام للجيش السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. فنانة سودانية تحيي حفل غنائي ساهر ب(البجامة) وتعرض نفسها لسخرية الجمهور: (النوعية دي ثقتهم في نفسهم عالية جداً.. ياربي يكونوا هم الصاح ونحنا الغلط؟)    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تسخر من الشباب الذين يتعاطون "التمباك" وأصحاب "الكيف" يردون عليها بسخرية أقوى بقطع صورتها وهي تحاول تقليدهم في طريقة وضع "السفة"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحليل (خفايا واسرار) خطاب حمدوك حول البعثة الأممية للسودان
نشر في النيلين يوم 01 - 05 - 2020

تحليل (خفايا واسرار ) خطاب د. حمدوك حول البعثة الأممية للسودان
في ضوء البيئة الداخلية والخارجية
مدخل :
ينبغي التأكيد على أن قضية استقدام بعثة أممية للسودان ليست مسألة خاضعة للمزايدة السياسية ، فهي فوق كل الانتماءات والاعتبارات الضيقة . وهذا التحليل يمثل إبراء للذمة الوطنية أمام الله ثم أمام التاريخ ؛ عسى أن يسهم في تمليك بعض الحقائق للرأي العام الذي تم تغييبه (عن عمد ) ، ولولا تسرب ( خطاب حمدوك السري ) لظل الأمر طي الكتمان الى أن يتفاجأ السودانيين بطامة البعثة الاممية أمامهم بين عشية وضحاها ، وأظن أن ( الطامة ) ستقع طالما أن كثير من الناس مازالوا يتعاملون مع هذا الامر باستخفاف وتكذيب واستهتار بعيدا عن المسؤولية الوطنية والدينية والاخلاقية .
جاء تعليق السيد / رئيس الوزراء د. حمدوك ، كردة فعل وانزعاج بسبب التناول الاعلامي الواعي لعدد من الخبراء والدبلوماسيين والسياسيين والاعلاميين ، والذين وضعوا النقط فوق الحروف بما يكفي ؛ حول خطورة وحيثيات استقدام البعثة الاممية للسودان ، وقد أدى ذلك التناول الى تفاعل جموع مقدرة من الشعب السوداني بحس وطني عالي مع هذه القضية في مختلف الوسائط الاجتماعية ، مما أقلق السيد رئيس الوزراء ، وغض مضجعه ، فخرج بخطاب مسجل للرأي العام ؛ ويمكن ابداء بعض الملاحظات حوله قبل تحليل بقية المعطيات .
*أولا :
خرج د. حمدوك في تسجيل مصور وممنتج ، ومن الواضح أن جهدا فنياً كبيرا بذل في ذلك التسجيل لازالة الهنات والارتباكات منه ؛ حتى لا يكون باهتا ومهزوزاً ومرتبكا كسابقاته من التسجيلات واللقاءات التلفزيونية .
*ثانياً :
ابتدر د. حمدوك حديثه بعصر توفر المعلومة في مناخ الشفافية واصفاً بأن الشعب السوداني محصن ضد الشائعات وأنه واعي بالاخبار ذات الغرض ؛ التي تريد أن تنال من هذه الثورة .. ، واللغة التي استخدمها د. حمدوك تنم عن الكثير من الخفايا التي تتعارض مع مبدأ الشفافية الذي تحدث عنه ، كما تعكس احساسه بخطورة الموضوع ، وهو ما ستبينه النقاط اللاحقة ، لكن الجدير بالذكر أنه أراد دغدغة عواطف الشعب واستمالته أو تحييده على الأقل ، خاصة بذكره للعبارات المستهلكة مثل (التحديات ) .. و( الثورة ) واستهدافها بالاخبار ذات الغرض ..
لكن نسي حمدوك أنه لم يكن أصلا يوما ما جزءا من هذه الثورة الشعبية العظيمة ، ولم يكن جزءاً من مسيرة النضال الوطني الشريف ، فحمدوك يجب أن يعرف ان هذه الثورة هي ثورة (وعي شبابي )، وأن الشعب لم يخرج مطالباً بوضع السودان تحت الوصاية الدولية عبر الامم المتحدة ، وانما أخرجه الجوع والضائقة المعيشية والتطلعات لمستقبل أفضل ، وبذلك اختار حمدوك طريقاً خطأ ونهاية سيئة لمكانته ؛ فبدلا من أن يختار طريق الأبطال الأوفياء مستفيدا من التأييد الكبير الذي وجده من الثوار – بعد اختياره رئيساً للوزراء – اختار طريق خيانة الثورة ودماء شهداء الوطن الذين ناضلوا لأجل استقلال السودان من المستعمر وحتى الآن ، ولذلك سيدفع الرجل ثمن هذه الخيانة بفقدان كل ذلك التأييد .
*ثالثاً :
من المؤسف أن رئيس الوزراء مارس تضليلا وتجهيلاً متعمدا في مخاطبة شعبه ، حيث ذكر ما ينافي الصدق والحقيقة في عدة نقاط أهمها :
التضليل المتعمد للرأي العام : عندما قال أن السودان ظل لاكثر من عشر سنوات ( يدار ) من الامم المتحدة تحت الفصل السابع ، وان ما فعلته الحكومة الإنتقالية انها اخرجت البلاد من الفصل السابع الى السادس . وهذا تضليل صريح لا يليق بشرف الموقع الذي يتسنمه ، فالصحيح أنه استقدم بعثة سياسية مسنودة بقوات ردع سريع قوامها 2500 جندي ، فهو لم ينتقل من البند السابع الى السادس وانما جمع بين البندين فيما يعرف ب "الفصل السادس والنصف".
ممارسة الكذب : عندما قال كلاما خطيرا وهو أن مشروع البعثة لا يضع السودان تحت الوصاية ( لأنه أصلا تحت الوصاية ). فاذا افترضنا جدلا أن السودان يدار عبر الأمم المتحدة ، وأنه تحت وصايتها ؛ فلماذا لم يقم بصفته رئيس وزراء حكومة الثورة العظيمة بالعمل على تحرير السودان من هذه الوصاية التي وجدها ؟ لكنه قام بدلا عن ذلك بتوسيع نطاق الوصاية لتشمل كل شيء ؛ بلا استثناء وبلا خطوط حمراء في تنازل كامل عن السيادة الوطنية .
قال ان الحكومة الإنتقالية تحاول الانتقال الى الفصل السادس الذي يتيح التعامل في قضايا تتعلق بالخبراء بلا وجود قوات عسكرية !! في مجالات يحتاجونها مثل قضايا المؤتمر القومي الدستوري ، الانتخابات والاحصاء السكاني ، وقضايا السلام واجندته ، طيب كيف تفسر طلبكم بابقاء قوات اليوناميد لتكون نواة لهذه البعثة مضافا اليها قوات الردع السريع ؟ اليس هذه قوة عسكرية ؟ .
قال أن المطلوب من الامم المتحدة سيتم بتوافق معهم كحكومة وليس بإملاء عليهم !! .. طالما أن الأمر يتعلق بالخبرة والتجارب الخاصة بالأمم المتحدة والتي يمكن أن يستفيد منها السودان فلماذا لم طلب الخبرة تم عبر وكالات الأمم المتحدة المتخصصة والتي لديها مكاتب تعمل في السودان مثل ما هي موجودة في دول أخرى ؟ ، حيث تخضع برامج هذه الوكالات لسلطات الدولة وتحت اشرافها ، بعكس البعثة الخاصة التي يرأسها مندوب سامي بصلاحيات واسعة ، فهل البعثة المطلوبة تقع خارج اطار الوكالات المعروفة للامم المتحدة ؟ .
ببساطة لو كان الامر بهذه السذاجة التي حاول السيد حمدوك تضليل الشعب بها لكان من السهل أن تفعلها الحكومة السابقة بالسماح للامم المتحدة باستباحة كل السودان كي تستفيد من هذه الخبرات والدعومات ، التي زين ودبج بها رئيس الوزراء حديثه الحالم للشعب السوداني .
ما لم يكشفه السيد حمدوك من خفايا ؛ أن العون الفني والمادي الذي يمكن الحصول عليه من الأمم المتحدة ؛ سيكون وفق أجندة وشروط خاصة ، مسنودا بقوة عسكرية بكامل تجهيزاتها من طائرات واسلحة وأجهزة تصنت وتشويش وهي خصائص الاحتلال الحقيقي ، فلا يعقل أن تأتي بعثة تضم الامريكان والبريطانيين والالمان وغيرهم من موظفي الاستخبارات ؛ ليأتمروا في النهاية بامرة رئيس الوزراء السوداني !! ، فما هي القوة التي تجعله قادرا على الاملاء على هذه البعثة وقواتها ، لو كانت لديه هذه القوة لكانوا قدموا له خدمة بدون بعثة الى السودان ، ولكانوا رفعوا عن بلاده العقوبات على الاقل ؛ بعد زوال الحكومة السابقة التي جعلوها سببا لها ، علما أن كل الدول التي ارسلت اليها الامم المتحدة بعثات كان على رأسها مندوباً ساميا ؛ وكان وضعه فعلياً أعلى من وضع رئيس الدولة .
*رابعاً : شبهات حول مخطط البعثة الأممية :
لن نخوض في تفاصيل ( سرية خطاب التآمر ) الذي ارسله د. حمدوك سراً الى الامين العام للامم المتحدة ، ومن الذي أعد له هذا الخطاب ، ولماذا لم يشاور فيه مكونات الحكومة ولا الشركاء الاقليميين ، لأننا سنتناول مباشرة بقية أبعاد مخطط التآمر ، حيث أن ارسال حمدوك هذا الخطاب ( خفية ) يعتبر خديعة وخيانة عظمى ، وهو بذلك لم يحترم – كرئيس الوزراء – شعبه وخان قسمه الذي أداه لهذا الوطن .
يجب أن لا ننسى أن عدد مقدر من أعضاء حكومة حمدوك كانوا ناشطين ومعارضين بالخارج ؛ وقد طالبوا مع آخرين بالتدخل الدولي في السودان ، فالمسألة ليست مستجدة ؛ وانما هي استكمال لنفس دور العمالة الذي سبق وعملوا لأجله والذي يدفع ثمنه الشعب السوداني حتى الآن .
كما يجب أن لا ننسى أن أجهزة المخابرات العالمية اخترقت المعارضة السودانية في الخارج ونسقت معها في كثير من الامور المتعلقة بالسودان ومن بينها تمليك معلومات ، وأن بعض ناشطي المعارضة عملوا على تعزيز دور المنظمات الاجنبية على توفير الأدلة اللازمة لادانة السودان بكثير من التهم (معظمها ملفق ) ، حيث ساعد ذلك على توقيع العقوبات على السودان ، ودخول قوات الامم المتحدة الى دارفور .
يجب التأكيد على أن البعثة السياسية الخاصة التي طلبها حمدوك تختلف عن بعثات حفظ السلام ، ولاعلاقة للبعثات السياسية بالفصل السادس من ميثاق الامم المتحدة أو المهام الواردة فيه ، ذلك أن الفصل السادس يختص بتسوية النزاعات الناشبة بين الدول ، وليس بالنزاعات داخل الدولة الواحدة .
وليس بعيداً عن كل ذلك أن حكومة حمدوك بعدما تسلمت مهامها قامت بالغاء قرار طرد المنظمات الاجنبية الذي اصدرته الحكومة السابقة لأسباب تهدد الأمن القومي ، وسمح القرار الجديد باعادتها للعمل مرة أخرى للسودان .
من الأهداف غير المعلنة من البعثة هو التمهيد لخطة تقسيم السودان ، وذلك من خلال السماح لكل منطقة من مناطق السودان بتقرير مصيرها ، ويشمل المخطط ( دارفور – شرق السودان – جنوب كردفان – النيل الأزرق ) . وما يعزز ذلك هو المدة الطويلة التي ستمكثها هذه البعثة في السودان ( عشر سنوات على الأقل ) ، وكانت تقارير رسمية سابقة قد اشارت أن ما قامت بتشييده قوات اليوناميد في دارفور من مواقع ضخمة ومجهزة ؛ يشير الى مخطط بقائها لفترات طويلة تصل الى عشرات السنين ، والآن حدثت هذه التطورات لتؤكد تلك التقارير .
دواعي وبواعث استقدام البعثة :
*(أ ) البيئة الداخلية ( ما وراء استقدام البعثة ) :
لا يفوت على ذهنية المتابع الحصيف ؛ أن ظهور شخصية حمدوك تأتي كنسخة أخرى طبق الأصل من "حامد كرزاي" في افغانستان ، و"أحمد الجلبي" في العراق ، وغيرهم من الشخصيات المصنوعة في الغرب لتؤدي مهمة معينة لخدمة الدول الاستعمارية ، فالاستعمار الحديث يحكم بالوكالة .
حكومة حمدوك تعاني حالياً من أزمات وضغوط جماهيرية من شباب الثورة المطالبة بدماء الشهداء ، وتعاني من ضغوط الشارع المطالبة باصلاح الاوضاع لا سيما الاقتصادية ، وفي ظل فشل حكومته فانه يراهن على البعثة الاممية لتخرجه من بعض تلك الأزمات ، أو على الأقل تحميه من الثورة التصحيحية أو ثورة الجياع التي بدأت تلوح في الأفق ، لكن هل فعلا هذه هي مهمة الامم المتحدة ؟ فاذا أقررنا بأن هذه هي مهمتها فهذا يعني بوضوح فشل حكومة حمدوك تماما عن القيام بواجباتها الاساسية .
التغطية على عجز الحكومة عن وقف التردي الاقتصادي المريع ، وفشلها في استجلاب ما كانت تدغدغ به مشاعر الشعب السوداني عن رفع العقوبات وتدفق المنح والهبات من الخارج ؛ لتكون محصلة كل ذلك صفراً كبيرا وفشل من يسمون بخبراء اقتصاديين برئاسة (الخبير الاقتصادي) د. حمدوك نفسه في اعداد موازنة الحكومة التي بنيت على منح خارجية لم تأت .
دخول هذه البعثة يساعد في التغطية على الشبهات التي تحوم حول وجود فساد في عملية دفع تعويضات ضحايا المدمرة كول .
كما أن دخول البعثة يساعد في التغطية على مسرحية محاولة اغتياله الفاشلة ، وما خلفته من حالة عدم ثقة الشعب في الحكومة ، وخاصة في حمدوك .
فشل حكومة حمدوك في قيام أي من اللجان الكثيرة التي تم تكوينها لعدد من القضايا والتي لم تفلح أي منها في تقديم تقرير حتى الآن .
استمرار الحكومة الانتقالية في العمل وفق حالة الطوارئ يفسر حالة عدم الثقة والهشاشة التي تعانيها ، وهو أحد أهم الدوافع الداخلية لطلب حمدوك لبعثة أممية تحمي حكومته وتكون مقابلة للقوات النظامية السودانية .
الهدف من البعثة هو ايجاد قوة أممية تضعف سيطرة الجيش السوداني والدعم السريع تمهيدا لاعادة بناء الجيش على أسس وعقيدة قتالية جديدة .
قوات الدعم السريع باستيلائها على المواقع التي انسحبت منها قوات اليوناميد يجعلها تتحمل جزء من المسؤولية في عدول الامم المتحدة عن قرار سحب هذه البعثة في أغسطس 2019 من المواقع المتبقية ، وكانت يوناميد طلبت بإخلاء الدعم السريع لتلك المواقع ، باعتباره يمثل أحد أطراف الصراع في دارفور ، وبذلك وجدت ذريعة لبقائها مدعومة بقرار د. حمدوك ، وطلب بعض الحركات الدارفورية المسلحة .
دخول البعثة يهدف أيضاً لتفكيك قوات الدعم السريع ، الأمر الذي يساعد في الكشف عن المتورطين في فض اعتصام القيادة وتقديمهم للمحاكمة ، وكان بعض قادة حركات دارفور المسلحة طلبوا من د. حمدوك ومن جان بيير لاكروا مساعد الأمين العام للأمم المتحدة في اكتوبر 2019 تفكيك قوات الدعم السريع ، مؤكدين أن ذلك يساعد في استكمال عملية السلام المتعثرة حالياً في جوبا ، والتي زاد من تعقيدها وفاة وزير الدفاع السوداني في ظروف مفاجئة في مدينة جوبا .
*(ب ) البيئة الخارجية ( ما وراء استقدام البعثة ) :
تزامنا مع خطاب د. حمدوك ( السري ) كان هناك نوايا مبيتة لعدم خروج قوات اليوناميد من السودان ، علما أن بعثة اليوناميد توجد فقط في دارفور وانتهت مهمتها ويفترض خروجها بنهاية شهر يونيو 2020 , وهذه ترتيبات مسبقة ليس لحكومة حمدوك أي دور في تحويلها من الفصل السابع للسادس .
طلب حمدوك عدم سحب يوناميد وتوسيع عملياتها "من حيث الحجم والنطاق" لتكون نواة للبعثة التي تساند البعثة السياسية المطلوبة . الجدير بالذكر أن هذه القوات جاءت بموجب قرار مجلس الأمن لحماية المدنيين في دارفور ولتيسير وصول المساعدات الإنسانية لهم ، وكان السودان بفضل حنكة حكومته قد نجح في جعلها قوة مشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي حتى تتحول الى قوة افريقية خالصة ، وقد نص قرار إنشائها أن تباشر البعثة تفويضها "دون المساس بمسئولية حكومة السودان " وهذه نقطة جوهرية توضح الفرق بين البعثة التي طلبها د. حمدوك وبين بعثة اليوناميد .
كانت بريطانيا هي الدولة الوحيدة التي عبر ممثلها عن موقف بلاده المتحفظ على انهاء البعثة ، والذي مثل خروجا عن الإجماع الدولي في الامم المتحدة ، وهو ما يفسر الشبهات حول تبنيها مع بقية دول الترويكا ، وأميركا مخطط ادخال البعثة الجديدة وتمريرها عبر طلب د. حمدوك .
يجب أن يقرأ الموقف البريطاني مع إجتماع الكونغرس رقم 116 ، والخاص بمشروع قانون الكونغرس الامريكي ( منشور في الموقع الرسمي للجنة العلاقات الخارجية الامريكية ) ، ويوضح هذا المشروع تفاصيل المخطط الكامل للتدخل في سيادة السودان في كل المحاور ، ويتحدث المشروع عن استقدام الأمم المتحدة بزعم المساعدة في استقرار السودان وإحلال السلآم والانتقال إلى الحكم الديمقراطي وغيرها من الشعارات البراقة التي تتعارض مع الموقف الامريكي تجاه محاربة السودان واعتباره ( مستعمرة ) تمثل احتياطي استراتيجي للموارد الطبيعية بكل انواعها ؛ بدءاً من النشاط السابق لشركة شفرون لاستخراج البترول وحتى العقوبات الامريكية التي هدفت لمنع السودان من استغلال موارده لأنهم يعتبرونها موارداً مستقبليا لهم .
وكان مشروع القانون المقدم من مجلس النواب يتحدث عن صلاحيات واسعة وشاملة تكشف عن طبيعة أجندة المرحلة القادمة برعاية أميريكية ؛ من بينها دعم انتقال ديمقراطي بقيادة المدنيين ، وتشجيع مبدأ المحاسبة في انتهاكات حقوق الانسان وتشجيع الشفافية المالية في السودان وتشجيع مبدأ المحاسبة في قضايا الابادة الجماعية وجرائم الحرب والعنف المبني على النوع والعنف الجنسي . وتعتمد الاجندة على تحديد أي معلومات تحصلت عليها وكالات الحكومة الأمريكية منذ أغسطس2019م والمتعلقة بمسؤليين كبار في الحكومة السودانية الذين تورطوا شخصيا في التجارة غير المشروعة في الموارد المعدنية بما في ذلك النفط والذهب .
العالم مقبل على أزمة غذاء عالمية خلال السنوات القادمة ، والتوجه كله يذهب نحو افريقيا باعتبارها موطن الاراضي الخصبة والمياه العذبة والزراعة بشقيها النباتي والحيواني ، والسودان أحد أكبر الدول التي تتوفر فيها هذه الموارد الأمر الذي يضعه في قلب استراتيجيات مطامع الهيمنة الخارجية ، وابقاء السودان ضعيفا ومفككا أو مقسما يساعد في تحقيق هذه المطامع .
*( ج ) هل فعلا السودان يحتاج الى خبرات الأمم المتحدة :
للاجابة على هذا السؤال نحتاج لمعرفة طبيعة مشكلات السودان أولا ، ثم مقدرات وخبرات السودان المتاحة ، ثم الدور المفقود وكيفية توفيره عبر الامم المتحدة أو غيرها من الشركاء والمانحين .
أولا : فعلا هناك تحديات كبيرة جدا تنتظر الحكومة الانتقالية ؛ من بينها : تحقيق السلام ، ومعالجة آثار الحرب والتسريح واعادة الدمج ، وإدارة برامج وقف النزاعات والعودة الطوعية وإعادة التوطين للنازحين ، والاصلاح الاقتصادي ، وبرامج التنمية الشاملة ، والتحول الديموقراطي .
ثانياً: الخبرات الوطنية السودانية بالداخل والخارج تتمتع بكفاءة عالية ومقدرات معتبرة ساهمت في الماضي والحاضر في اعداد دساتير دول أخرى وأسسوا لنظم ادارية ، وقضائية ، وتعليمية ، وبناء قوات مسلحة ، وقوات شرطة وغيرها ، فلماذا نحتاح لبعثة لاعادة هيكلة كل هذه النظم في السودان ؟ .
ان كان لابد فيجب المزج بين الخبرات الوطنية والخبرات الأجنبية بعد دراستها ومواءمتها لتطبق داخليا ؛ وهذا يتطلب جهد تحضيري غير متسرع حتى يؤتي نتائج فاعلة وناجحه لأن تجارب الامم المتحدة في الدول الأخرى لم تكن معظمها ناجحة ، وهناك جهود من الحكومة السابقة ما زالت مستمرة مع وكالات الامم المتحدة في عدة برامج يمكن تقييمها والتأسيس عليها بدلا من البداية من الصفر عبر بعثة جديدة .
كان حريا برئيس الوزراء حمدوك أن يحدث شعبه بحقائق عن تجارب وخبرات ونتائج الأمم المتحدة في الدول الاخرى ، فهناك نجاحات ضعيفة ومتواضعة جداً في كل من : الكونغو وليبريا وكوسوفو وتيمور الشرقية وسيراليون وبوروندى ونامبيا …، وبذات القدر يجب أن لا ينسى د. حمدوك فشل الامم المتحدة الذريع في معظم تلك البعثات ؛ بل حتى مجرد تحقيق نتائج في المواقف الانسانية مثل : وقف جرائم الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين منذ عام 1948، وفشلها في استقرار ونهضة ومعالجة الشروخ الاجتماعية والاستقرار في البوسنة والهرسك ، وفشلها في استقرار ونهضة العراق بعد صدام حتى الآن ، وفشلها في وقف قتل المدنيين العزل في سوريا وايواء النازحين ، وفشلها في وقف قتل اليمنيين واستقرار اليمن ، وفشلها في وقف قتل وابادة المسلمين وبورما ، وفي الاغوار في الصين ، وفشلها في استقرار الصومال ، وفشل البعثة السياسية الخاصة في ليبيا بعد القذافي وحتى الآن ، وفشل البعثة السياسية الخاصة بأفريقيا الوسطى .. ، وغيرها .
وكان الأمين العام السابق للأمم المتحدة ، كوفي أنان ، قدم في مذكراته بعنوان "تدخلات" ، سردا لكثير من أخطاء الأمم المتحدة خلال عمله الذي استمر لعقود مع المنظمة ، خاصة في مهمات حفظ السلام في التسعينيات في الصومال ورواندا والبوسنة ، التي وصفها أنان جميعها ب"حالات الفشل الكبرى".
المشكلة الاساسية تكمن في توفير مقدرات مالية وفنية تفوق قدرة الدولة السودانية ، وطالما أنه ليست هناك ( ضمانات ) على امكانية نجاح بعثة الامم المتحدة المنتظرة لتوفير هذه الامكانات – في ظل ظروف السودان وأزماته وحالة عدم الثقة – أو النجاح في تنفيذ مهام السلطة الانتقالية ، وذلك قياسا بتجاربها الفاشلة في دول اخرى ، فلماذا لا تقدم الامم المتحدة خبراتها ودعمها بتعزيز دور وكالاتها وبرامجها القائمة فعليا في السودان ، بعد تقييم تجربتها السابقة ( علماً بأن معظم الصرف المالي لهذه المنظمات اتضح أنه صرف اداري لخدمة مكاتبها وبعثاتها أكثر من خدمة البرامج الحقيقية لمعالجة مشكلات البلد ) ، ولا بد من معرفة لماذا لم تنجح معظم البرامج رغم وجودها بالسنين .
مما سبق يمكن القول أنه ليس ممكنا بأي حال من الاحوال نجاح البعثة السياسية فيما فشلت فيه وكالات وبرامج الامم المتحدة القائمة بكل خبراتها ووجودها القديم ومعرفتها بطبيعة الظروف في السودان من خلال تقاريرها وخططها السابقة ، فالمطلوب اذاً ليس بعثة سياسية مسنودة بقوة عسكرية ؛ وانما المطلوب تعزيز ما هو موجود أصلا واستكماله مضافا اليه الشراكة مع المنظمات الوطنية ومؤسسات الدولة لتعمل بتكامل حيث يساعد ذلك على بناء قدرات المنظمات والمؤسسات الوطنية ، وعلى الاستدامة مستقبلا بما فيها العمل في مجالات : تعزيز الاصلاح والانتعاش الاقتصادي ، ورفع المعاناة المعيشية ، وجهود التنمية المستدامة ، والأمن ، والتعداد السكاني والانتخابات.
أما المسائل التي تمس السيادة الوطنية مثل الإصلاحات الدستورية ، وهيكلة الجيش والشرطة والأمن والقضاء فلا يمكن السماح للامم المتحدة بالتدخل فيها اطلاقاً ، فانا لا استطيع أن أفهم أن تتدخل جهات خارجية في هيكلة الجيش وصياغة عقيدته القتالية !! ، وهيكلة القضاء السوداني العريق أو اجهزة المخابرات والشرطة التي شهدت لها دول الجوار بكفاءتها وخبرتها واحترافيتها العالية في مواجهة تحديات كبيرة محليا واقليمياً مثل الجريمة المنظمة والعابرة كالارهاب والهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر وغيرها .
الخلاصة:
مما سبق يجب أن يتم اعادة تقييم شخصية د. حمدوك كشخصية خطرة ، وغير أمينة على حاضر ومستقبل السودان ؛ فهو شخص ( ليس بالسهل ) فقد عمل مع المنظمات وما ادراك ما المنظمات وأجنداتها المشبوهة ، واختراقها من أجهزة الاستخبارات ، حيث أثبت الرجل أنه يستطيع أن يعمل (بسرية تامة ) لخدمة أجندة تمس سيادة ومصالح السودان .
طلب حمدوك يعتبر تصرف غير مسبوق من رئيس وزراء دولة مستقلة ذات سيادة يطلب فيه ادارة بلاده من قبل جهات خارجية تقف خلفها قوى استعمارية معروفة تاريخياً .
هذا الوضع سيحيل حكومة حمدوك الانتقالية الى حكومة ( استبدادية ) دائمة تستقوي بقوات اممية ( قد يستمر أمدها لعشر سنوات ) لفرض أجندة حكم كاملة تتحكم في كل شيء دون تفويض انتخابي ، ودون أي صلاحيات دستورية تخولها بذلك ، ما يعتبر جريمة خيانة عظمى .
هذا الوضع قد بؤدي الى خسارة المكونات السياسية والعسكرية وحتى القواعد الشعبية التي تم تجاوزها دون تشاور في قرار استقدام هذه البعثة ، بل خسارة لموقف ومساندة الاتحاد الافريقي الذي تم تجاوزه في ذلك القرار الانفرادي الذي يجعل من حمدوك (دكتاتور جديد) ، ولا يعبر عن ملامح أي تحول ديموقراطي قادم .
طلب حمدوك استقدام البعثة الأممية وضع قوات الشعب المسلحة وقائدها العام الفريق أول عبدالفتاح البرهان على المحك في القيام بواجبهم الوطني تجاه حماية سيادة البلاد من التدخلات الخارجية .
بقلم / د. عبد المحمود النور محمود


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.