* لم نسمع خبراً إيجابياً يتعلق بميناء بورتسودان منذ فترةٍ طويلة، إذ انحصرت الأنباء الواردة منه على أخبار الإضرابات والصراعات واستخدام الكرينات المتحركة لإغلاق بوابات الميناء الجنوبي كل حين. * كان من الطبيعي أن ينعكس ذلك الواقع السيء سلباً على أداء الميناء، وأن تتدهور خدماته، بدرجةٍ دفعت شركات الملاحة البحرية الدولية إلى التوقف عن شحن الحاويات إلى السودان، تبعاً لطول الفترات التي تستهلكها عمليات تخليص الحاويات فيه. * خلال الفترة الماضية تضاعفت قيمة شحن الحاوية (40 قدم) من الصين إلى بورتسودان، لتصل عشرة آلاف دولار بدلاً من ثلاثة، وأصبح وصول وتخليص الحاوية يستغرق أربعة أشهر وأكثر، بدلاً من خمسة وأربعين يوماً في ما سبق، وصارت بعض الشركات تضطر إلى إنزال الحاويات المرسلة إلى السودان في موانئ أخرى، أو تعيدها من حيث أتت اضطراراً. * نتاجاً لذلك الواقع المحزن فرَّ المستوردون والمصدرون من ميناء بورتسودان، وتحول بعضهم إلى ميناء مصوَّع في إريتريا، وميناء العين السُخنة في مصر، لتوفير الوقت والمال، لتخسر البلاد بذلك مبالغ طائلة بالعملات الصعبة نتاجاً لواقع مؤسف تعيشه هيئة الموانئ البحرية منذ سنوات. * باتت السفن تتجنب الرسو في ميناء بورتسودان إلا اضطراراً، بسبب طول فترة الانتظار اللازمة لتفريغ وشحن الحاويات فيه، وسوء خدماته، وكثرة تعطل رافعاته. * هناك عوامل كثيرة تسببت في تراجع أداء هيئة الموانئ البحرية، منها كثرة النزاعات والإضرابات المطلبية لعمالها الذين يطيب لهم إغلاق بوابات الميناء لأتفه الأسباب، علاوةً على الاستغلال السيء لموارد الميناء من قِبل وزارة المالية، التي تنفق الأموال التي تأتيها من الموانئ على كل شيء، إلا الموانئ. * قبل أيام شكا وزير النقل والبنى التحتية هاشم بن عوف من أن الميناء أصبح يمثل مصدر الدخل الوحيد لوزارة المالية، وذكر أن الوزارة باتت تعتمد عليه في تسديد مرتبات موظفي الدولة، وحذر من أن تركيزها على استنزاف موارد الميناء سيؤدي إلى توقفه، مطالباً إياها أن تخفف الضغط عليه، بالاجتهاد لبسط ولايتها على موارد الدولة الأخرى. * أمس قرأنا خبراً عن دخول الكرين رقم (8) إلى الخدمة، إثر صيانته بواسطة كوادر سودانية، توافرت لها قطع الغيار الغائبة منذ شهور، مع أحاديث أخرى تنبئ بقرب الفراغ من صيانة الكرين رقم (7). * كما ذكرنا من قبل فإن ميناء بورتسودان يتميز بحوضٍ طبيعي عميق، يمكنه من استقبال أضخم السفن في تسع ساعات، ترتفع في بعض الموانئ إلى (72) ساعة، تبعاً لفقدان العمق اللازم للمناورة قبل دخول حوض الميناء. * هبة رباينة، حبانا بها المولى عز وجل، فلم نحسن استثمارها، لأننا لا نجيد استغلال الفرص وتوظيفها في تنمية بلادنا المنكوبة بالإهمال والعجز والكسل والفشل المقيم. * سبق لنا أن ناشدنا رئيس الوزراء أن يبادر بزيارة ميناء بورتسودان، كي يقف على مسببات تراجعه بنفسه، ويأمر بحل المشاكل التي تعترض سبيله، لكنه لم يفعل.. ولم يهتم. * عليه نوصي وزير البنى التحتية بأن يجتهد في تحسين أحوال الميناء، وأن يضغط على الدولة كي توفر قطع الغيار للرافعات المعطلة، وأن يجتهد في زيادة كفاءة الميناء بتقليص الأمد الزمني المتعلق بتخليص الحاويات، كي يقترب من المعدل العالمي، ويعيد إلى الميناء العتيق بريقه المفقود. * كتب كثيرون وطالبوا بتطبيق نظام النافذة الواحدة في هيئة الموانئ البحرية، لتسهيل الإجراءات وتوفير الزمن وتحسين الخدمة، وذهبت مناشداتهم أدراج الرياح، لأن العقليات التي تدير الهيئة موغلة في التخلف، وتعشق الروتين، وتتفنن في هدر الوقت والموارد بغفلةٍ تحسد عليها. * لو حدث ذلك لاجتذب ميناء بورتسودان دولاً قريبةً منا، لا تمتلك موانئ، مثل إثيوبيا وتشاد وجنوب السودان وإفريقيا الوسطى وغيرها، ولتضاعفت موارد الدولة منه، ولكن من يحفل.. ومن يهتم؟ مزمل ابو القاسم – صحيفة اليوم التالي