بعد إنتهاء حمى القمة الكروية بين قطبي الكرة الهلال والمريخ، وبت محكمة التحكيم الدولية في النزاع حول منطقة أبيي الإسبوع المنصرم، عادت المجالس لتعاطي السياسة عبر مدخل وحيد هو الإنتخابات، حتى وإن إختلف الحديث هذه المرة عن كل التجارب السابقة على إعتبار أن ذهنية المجالس باتت تجتر السيناريو الكيني والإيراني كنماذج محتملة الوقوع في إنتخابات أبريل المقبل. ووسط كل تلك الأجواء المشحونة بالمخاوف حاولت مؤسسة إتجاهات المستقبل للدراسات الإستراتيجية والحوار، عبر التعاون مع وزارة الداخلية دق جرس الإنذار مبكراً وبمبدأ (الوقاية خير من العلاج) أعلنت تبنيها لقيام مؤتمر عن العنف الحضري في السودان التصور المفهومي، الوقائع، والأسباب، وسبل المكافحة لدرء اية تفلتات أمنية، بغرض تحصين شرائح المجتمع وإعطائهم جرعة كافية من التطمينات عن مقدرة الأجهزة الأمنية على حماية الإنتخابات. وفي الإجتماع التحضيري للمؤتمر، أعلنت قيادات أمنية وشرطية رفيعة المستوى جاهزيتها لحماية الإنتخابات المقبلة والحيلولة دون قيام أية أحداث عنف في مراحلها كافة. حيث أكد ممثلون للأجهزة الأمنية والشرطية عن إكتمال إستعداداتهم كافة لكبح أي مظاهر تفلت وعنف قد تتخلل الإنتخابات المقرر لها أبريل المقبل، وقال العميد أبوبكر احمد الشيخ مدير شرطة أمن المجتمع إن قوات الشرطة جاهزة للتصدي لأية محاولة لجر البلاد نحو منزلق العنف. بينما قال مصدر أمني رفيع يتبع جهاز الأمن والمخابرات الوطني أن الأجهزة الأمنية جاهزة للتصدي لكل طارىء. وقال: الأجهزة الأمنية لم تخذل الناس يوماً. وقطع الطريق أمام كل قول بأضافته أنه لكل مقام .. مقال. من جانبه أوضح د. محمد محجوب هارون مدير المؤسسة أهمية قيام المؤتمر كونه سيولي عناية خاصة بقضية العنف المصاحب للإنتخابات والحد منه حال وقوعه، وذلك بغرض وضع حلول تطبيقية تكون ذات إسهام إيجابي ومباشر في نسف مشروعية العنف الحضري وإيلاء عناية خاصة بقضية العنف المصاحب للإنتخابات من باب الحيلولة دون حدوثه، وتقليل الخسائر لأدنى حدودها حال حدوثه. وأمنّ د. هارون على أهمية إنعقاد ورشة قبل إنعقاد المؤتمر بهدف إيجاد حلول ذات طابع تطبيقي وتوعوى عبر كسب مجموعة الفاعلين السياسيين والأكاديميين لأجل التواثق لنبذ العنف وإرساء ثقافة التبادل السلمي للسلطة. وشدد مولانا محمد بشارة دوسة مسجل شؤون الأحزاب أن قانون تسجيل الأحزاب منع وبصورة قاطعة تسجيل أي حزب يمتلك ذراعاً عسكرياً الى أجل توفيق أوضاعه بإقرار من مفوضية نزع السلاح تؤكد بأن الحزب المشار اليه منزوع السلاح. وأشار مولانا دوسة الى أن الحديث المتشائم عن عنف مصاحب للعملية الإنتخابية كفيل بجعله واقعاً معاشاً في العملية الإنتخابية. وطالب الأجهزة الأمنية بنشر تقارير تؤكد جاهزيتها وتنسيقها لحماية الإنتخابات الى جانب قيامها بدور توعوى. وفي ذات الإتجاه ذهب د. أدريس سالم الباحث الإجتماعي بجامعة الخرطوم. وقال مقتبساً عن العقاد: من خاف الجن يراه وأضاف: الطرق المتواصل على إحتمالات حدوث عنف إنتخابي من شأنه دفع جهات -لم يسمها- لإستسهال الأمر. ودعا لنزع فتيل التخوف والعمل على حصر دور الإعلام في عكس الأفكار الموجبة التي تصب في صالح قيام إنتخابات خالية من أي تمظهرات سالبة. وفى منحى متصل أمنّ عبد المجيد خليفة الأمين العام لمفوضية حقوق غير المسلمين بالعاصمة القومية على أهمية نشر ثقافة التعايش الديني بين أفراد المجتمع لأجل تعميق مبدأ المواطنة وإرساء نموذج التعايش المجتمعي، وهو ذات ما ذهب اليه القس تود كونج بإهمية دور الكنيسة والمسجد في إعطاء الجرعات الدينية اللازمة لنبذ مظاهر العنف بصوره كافة بين أبناء الوطن الواحد. وشدد د. عبد الله علي إبراهيم الذي ينوى الترشح لإنتخابات الرئاسة المقبلة بأن تشكيك الأحزاب المسبق في نتيجة الإنتخابات وحتى من قبل قيامها من شأنه أن يكون عاملاً رئيسياً لإندلاع أعمال العنف، ودعا لإشاعة ثقافة مجتمعية تبين عدم مشروعية العنف والمخاطر المترتبة عليه، وصوب انتقادات حادة للصحافة بسبب ميلها للطابع الإثاري عوضاً عن الدور التوعوي الذي يجب ان تضطلع به. ووصف داك دوب بيشوب والي ولاية أعالي النيل السابق المؤتمر المزمع عقده بالمهم لإجل إرساء ثقافة ضد العنف. ودعا المجتمعين لإيلاء عناية خاصة بالجنوب بإعتباره خرج من أتون حرب تعد الأطول في القارة ما ساعد في خلق أرضية ثابتة قوامها الأمية والجهل، هذا الى جانب إنتشار السلاح بين الأفراد -أشار تقرير لتوفر ثلاثة ملايين قطعة سلاح بالجنوب- وأذا أضفنا لكل ذلك إنعدام ثقافة الإنتخابات بالأقليم وسيطرة الحركة الشعبية على مقاليد الأمور في الجنوب (حتى انه إقترح مازحاً إنشاء مفوضية لتدافع عن غير المنتمين للحركة الشعبية) كل تلك الظروف مجتمعة جعلت دوب ينادي بأهمية الإنفتاح جنوباً عبر إشاعة الإطروحات والبرامج كمحددات لعملية التصويت محذراً ذات الوقت من التحالفات التي تتخذ من العرق والقبيلة بطاقة إنتخابية. الى ذلك شدد د. أبو القاسم قور مدير البحوث بمركز دراسات السلام التابع لجامعة السودان على أهمية نشر الوعي وقدم إضاءات مفيدة لدرء العنف بإنتهاج مناهج جديدة كالمسرح التنموي الذي يعمل على توظيف أشكال الفنون الشعبية بخيال واسع وحذر بهدف بث الوعي الثقافي بغية تطور وتنمية البشرية في نشر ثقافة السلام وجعله ممارسة شعبية. وفي كلمته دعا د. عبد الرحيم بلال الباحث والكاتب الصحفي الي ضرورة نشر مخرجات الإجتماع التحضيري للعلن وعدم أحاطتها بسياج من السرية على أساس ان المشاركة الواسعة جزء أساسي من العملية الوقائية. وفيما تنتشر مخاوف إندلاع أعمال عنف بمعية الإنتخابات كالنار في الهشيم سواء كان ذلك بين أفراد المجتمع أو نخبته بإفرادهم لحيز كبير لتلكم المخاوف على صورة فعاليات ورسائل موجهة لوسائل الإعلام؛ تحدو مؤسسة دراسات المستقبل آمال عريضة في أن يصبح مؤتمرها منبراً علمياً رصيناً لرصد ظاهرة العنف، ومن ثم تحليلها وإستخلاص الدروس المستفادة منها وذلك في إتجاه كبح جماح العنف والتأسيس لإرساء ثقافة وطنية ترفضه بأشكاله كافة، وتعمل على إخماد حريق المجالس قبل أن يمسك بطرف ثوب الإنتخابات.