العنف الانتخابي من الظواهر التي انتشرت في الكثير من دول العالم الثالث في السنوات الاخيرة. وقد جرت كثير من أحداث العنف عقب الانتخابات في كل من زيمبابوي وكينيا وايران. ولأهمية هذا الموضوع المهم نظم المركز العالمي للدراسات الافريقية ندوة عن (احتمالات العنف في الانتخايات والتداعيات والحلول) وتناول المتحدثون في سياق حديثهم البحث عن أسباب العنف ومحاصرتها قبل بداية الانتخابات مطالبين بوضع النقاط على الحروف حتى لاتتكرر تجارب الدول التي حدث فيها عنف في الانتخابات. وفي سياق تعليقه عن هذه القضية قال مدير معهد أبحاث السلم بجامعة الخرطوم د.محمد محجوب هارون ان السودان استطاع أن يعبر كل مراحل العملية الانتخابية بدون عنف يذكر وأضاف اذا كان هنالك احتمالات عنف في الانتخابات فقد تكون بسيطة وقال ان الاسباب التي يمكن أن تقود الى عنف من بينها أن المجتمع السياسي السوداني لازال يعيش مرحلة مابعد النزاع اضافة الى أن هنالك مجموعات حاملة للسلاح وتحمل معها جزءاً من ثقافة الحرب تريد توطينها في العمل السياسي الأمر الذي قد يؤدي الى حدوث عنف كما حدث في أويل ومدينة المهندسين في أم درمان، علاوة على نقل محاربي الأمس الى صناديق الاقتراع اليوم الأمرالذي سيكون مفاجأة للشخص الذي يصل للسلطة عبر السلاح. وأضاف هارون أن هنالك عاملا أخر يتعلق بمواقف القوى السياسية والتي اذا انتهت الانتخابات ولم تكن في صالحها فلن تقبل النتيجة خصوصا في حالة سيطرة (الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني) الأمرالذي يمكن أن يؤثر في الانتخابات ويؤدي الي أحداث عنف. واضاف ان السياسة على المستوى القومي أصبحت مرتبطة بالعامل الجهوي والعشائري ودخول الكيانات القبلية في العمل السياسي، واضاف هارون ان هنالك عاملا آخر مؤثر هو ارتباط الوضع السوداني بما يجري في العالم وعمل بعض القوى لمصلحة القوى الدولية اضافة الى وجود مراقبين دوليين ومجموعتين عسكريتين دوليتين هما (بعثة الأممالمتحدة في السودان - اليونمس ، وبعثة الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي - اليوناميد) جاءوا لحماية السلام واعتبر أنها يمكن أن تكون خطرا على الانتخابات. وأضاف هارون ان مسؤولية احتواء العنف مسؤولية أساسية تقع على عاتق المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، ومسؤولية دينية ووطنية على جميع السودانيين وتنظيماتهم السياسية المختلفة. وفي ذات السياق قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم د.صفوت صبحي فانوس ان حالة الانتخابات السودانية لاتختلف كثيراعما حدث في كل من زيمبابوي وكينيا وايران واعتبره ليس ببعيد عن الوضع في السودان واضاف ان الدول الثلاثة في حالة انتقال من نظم غير ديمقراطية الى نظم ديمقراطية، وفي الحالات الثلاثة هنالك أزمة سياسية واستقطاب سياسي حاد مقارنة بالنظم الديمقراطية في الدول المتقدمة علاوة على وجود تقارب في موازين القوى في المجموعات الحاكمة اضافة الى العامل الخارجي لاعادة ترتيب الأوضاع السياسية لمصلحة قوى أجنبية، مشيرا الى الانتخابات القادمة والتي اعتبرها مختلفة كثيراعن الانتخابات السابقة لأنها قامت في ظل وجود نظام حاكم اضافة الى ان الانتخابات السابقة لم تكن بين تنظيمات مسلحة. واتهم فانوس جميع الأحزاب السياسية في السودان بأنها في السابق قامت بتكوين تشكيلات عسكرية موضحا ان المسؤولية الكبيرة لاكمال الانتخابات بسلامة تأتي من الأحزاب الحاكمة (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) وطالبهم بأن يخضعوا ويوافقوا الارادة الشعبية التي تتيح مسألة التداول السلمي للسلطة، مشيرا الى أن هنالك مهددا كبيرا للانتخابات وهو وجود أحزاب تدخل الانتخابات وتريد أن تؤكد على فصل الدين عن الدولة ووجود أحزاب أخرى تريد إبقاء الوضع الحالي كماهو موضحا ان هذه القضايا تحددها الارادة الشعبية مطالبا بعدم وضع السودان في هذا المطب. ومن جهته قال د. مصعب عبدالقادر إن العنف متلازم أساسي للانتخابات مضيفا ان هنالك عدة عوامل يمكن أن تؤدي الى وقوع عنف منها العامل الاجتماعي المتعلق بالضغوط التي مارستها بعض المؤسسات القبلية مثل الصراع السياسي بين مجموعة حاكمة ومجموعات أخرى ارتبطت ببعض التنظيمات اضافة الى طبيعة النظم الانتخابية والقوانين وعدم الثقة بين المتنافسين والتنوع الإثني بين الأقليات. واضاف عبدالقادر ان العنف ليس في حالة تصاعدية بينما ظل مرتبطا بظروف لحظية مؤكدا ان استقرار السودان هو مفتاح لاستقرار القارة الأفريقية، وتوقع حدوث عنف منظم من الحركات المسلحة والقوات العسكرية المسلحة الموجودة في العاصمة (جيش الحركة الشعبية والحركات المسلحة الأخرى مناوي والقوات الحكومية) وتناول مؤشرات العنف واعتبر من مؤشراته الوجود المتعلق بالعنصرية والقبلية اضافة الى التقارير الجنائية عن معدلات الجريمة بالعاصمة، ومناطق معسكرات النازحين والاستقصاء عن المناطق التي يحدث فيها العنف. وقال عبدالقادر إن من اسباب العنف تباعد فترات الممارسة الانتخابية في السودان الأمر الذي أدى الى ضعف التجربة السياسية اضافة الى الانشقاقات التي بدأت بها الاحزاب لتضارب المصالح والاختراق الاستخباراتي الذي ارتبط باسباب خارجية. وأضاف عبدالقادر ان الحلول تأتي في تصحيح البيئة السياسية والقانونية والاهتمام بعدم مصادرة الرأي الآخر وتبني آليات لمواجهة العنف واشاعة الحوار وتطوير موجهات اعادة بناء الفكر السياسي والتنظيمي وحماية الجهاز الاداري والحماية الامنية للعملية الانتخابية، بينما قال الخبير الأمني حسن بيومي ان الوضع السياسي في السودان غير معافى ويحمل في ثناياه كثيرا من العنف واضاف ان هنالك مرارات للقوى السياسية من قبل النظام واردف ان نيفاشا في طريقها الى إضعاف الدولة والمؤتمر الوطني، مشيرا الى أن المؤتمر الوطني لم يفز بأغلبية لأن هنالك متغيرات حدثت في السودان، وأردف اذا حاول الوطني تزوير الانتخابات ستكون هنالك تسوية كما حدث في الانتخابات الكينية. ومن جانبهم انتقد عدد من المناقشين في الندوة تصريحات المسؤولين واعتبروا أنها لاتتحدث عن ثقافة الديمقراطية، مشيرين الى وجود عوامل كثيرة يمكن أن تؤدي الى العنف مثل السجل الانتخابي وتوزيع الدوائر الجغرافية التي لم توافق عليها كثير من المجموعات، علاوة على انتشار السلاح في جزء كبير من أنحاء السودان مؤكدين ان العنف ثقافة موجودة في كل المجتمعات مطالبين أجهزة الاعلام بلعب دورها للعمل على إنهاء الظاهرة، طالما أن العنف الانتخابي هو ظاهرة ظلت مصاحبة لدول العالم الثالث وان الدول التي حدثت فيها أحداث عنف حالاتها مماثلة لحالة السودان. وحتى لاتتكرر حالة العنف في انتخابات السودان المقبلة يجب على المفوضية القومية للانتخابات والاحزاب السياسية وضع ميثاق شرف انتخابي حتى لاتحدث أحداث عنف.