أثار الهجوم على هجليج من قبل دولة جنوب السودان، تداعيات عديدة في مقدمتها ارتفاع أسعار الدولار وتفاقم أسعار السلع بالأسواق المحلية وتزايد الطلب على شراء المحروقات، وانتشار الشائعات بحدوث فجوة في إمدادات المواد البترولية، مما أصاب الكثير بحالة من الهلع، كما بدأت عمليات تخزين للسلع الأساسية من التجار خاصة السكر، هذه التداعيات وغيرها دفعت وزارة المالية والاقتصاد الوطني لاتخاذ حزمة من التدابير والإجراءات لتأمين إمدادات السلع الأساسية والاستهلاكية والسيطرة على ارتفاع الأسعار والغلاء، بجانب كبح جماح ارتفاع أسعار الدولار، بينما شرعت حكومة ولاية الخرطوم في وضع تدابير مماثلة لتَأمين السلع، وأصدرت وزارة التنمية الاقتصادية وحماية المستهلك بولاية الخرطوم قراراً بتوزيع السكر عبر محليات الولاية السبع والجمعيات التعاونية لضمان وصوله إلى المواطنين بالأسعار الرسمية. كما سارع البنك المركزي الى إصدار جملة من الترتيبات لمحاصرة أسعار الدولار ومحاربة تجار العملة وزيادة الاحتياطي القانوني للبنوك بالعملات الأجنبية والمحلية من أجل امتصاص الزيادة في السيولة. ولكن بعد (تحرير هجليج) من دنس المعتدين تغيّر المشهد الاقتصادي كثيراً، حيث أصبح استئناف ضخ النفط من حقول هجليج وشيكاً أو قاب قوسين أو أدنى، كما تراجعت أسعار الدولار في السوق الموازي الى (5) جنيهات و(30) قرشاً، مع حدوث شبه اختفاء لتجار العملة وسط الخرطوم، كما عَمّ الفرح وسط المواطنين ليحل مكان القلق الذي انعكس سلباً على أسعار السلع بالسوق. استئناف ضخ النفط وتفيد متابعات (الرأي العام) أنّه فور إعلان القوات المسلحة لنبأ تحرير هجليج، دفعت وزارة النفط بعدد من منسوبيها من المهندسين والفنيين لاحتواء الأعمال التخريبية التي تمت في حقول هجليج، بينما بحث اجتماع مُوسّع بوزارة النفط أمس ترتيبات استئناف ضخ النفط بحقول هجليج بعد أن تمّ تحريرها وتأمينها من قِبل القوات المسلحة. وأكّد المهندس إسحق بشير وزير الدولة بوزارة النفط، أنّ وزارته بدأت فور إعلان تحرير هجليج في وضع الترتيبات اللازمة لاستئناف ضخ النفط من جَديد، بجانب تقييم الأوضاع ميدانياً بإرسال وفد من الفنيين والمهندسين للوقوف على الأوضاع بالمنشآت والحقول النفطية فى هجليج وتحديد الاحتياجات ووضع خطة لاستئناف ضخ النفط من جديد. تشغيل الحقول وكشف الوزير في حديثه ل (الرأي العام) أمس، عن بدء العمل في تشغيل حقول النفط بهجليج بعد تحريك فنيين ومهندسين من منطقة (بليلة) أمس الى هجليج لتقييم الأوضاع هنالك وبدء العمل في تشغيل المنشآت النفطية بهجليج بالتنسيق مع القوات المسلحة، وتَوقّع الوزير دخول حقول هجليج لدائرة الإنتاج من جديد بأسرع فرصة ممكنة بعد اكتمال المراجعات الفنية المطلوبة بالمنشآت النفطية وإنهاء القوات المسلحة لإجراء الفحص للألغام وغيرها من المراجعات الأمنية المطلوبة لاستئناف ضَخ النفط، مشيراً إلى أنّ اجتماعاً موسعاً بوزارة النفط بحث أمس خطة التدخل السريع والمعالجات الفنية لضمان عودة الضخ وإرسال المزيد من الفنيين إلى مواقع الإنتاج بهجليج. الأوضاع مطمئنة ووصف الوزير الأوضاع بهجليج بأنها مطمئنة باستئناف وشيك لضخ النفط من الحقول المنتجة، بعد أن بدأ الفنيون بوزارة النفط في أعمالهم لإجراء تقييم فني شامل منذ أمس الأول، وتابع: (ترتيبات الجهاز الفني بالوزارة مُستمرة وهنالك متابعة وتقييم للأوضاع بدقة خاصة المسائل الفنية والأمنية فهي مطمئنة جداً، وهنالك توافد لمهندسي الوزارة من منطقة بليلة والخرطوم لاستعجال هذه الجهود وضمان استئناف ضخ النفط). توفير المواد البترولية وجدّد الوزير التزام وزارة النفط بتوفير احتياجات البلاد من المواد البترولية كافة، واصفاً موقف إمدادات النفط بالمطمئن، حَيث تعمل وزارة النفط على مدار الساعة لتأمين احتياجات البلاد من المواد البترولية، كما نعمل على استعادة ضخ النفط بحقول هجليج بسرعة بتشغيل المنشآت النفطية في أسرع فرصة ممكنة. تراجع الدولار وتفيد متابعات (الرأي العام) بأن أسعار الدولار بالسوق الموازي شَهدت تراجعاً ملحوظاً بعد أعلان تحرير هجليج، لتبلغ يوم أمس نحو (5) جنيهات و(30) قرشاً، كما لاحظت الجولة شبه اختفاء لسماسرة وتجار الدولار بوسط الخرطوم، بعد أن كانوا ينتشرون في مساحة واسعة تمتد من شَارع القصر شرقاً وحتى الجامع الكبير بالخرطوم ومجمع الذهب غرباً، بينما يتوقع ان تشهد اسعار الدولار تراجعاً ملحوظاً بعد قرارات بنك السودان المركزي القاضية بمحاربة تجار العملة وتفعيل قانون النقد الأجنبي الذي يحرم تجارة العملة، وزيادة الاحتياطي النقدي القانوني للبنوك من العملات الأجنبية والمحلية الى (15%) من أجل جذب السيولة إلى داخل الجهاز المصرفي والحد من استخدامها في المضاربة بالدولار. تفاؤل بانخفاض الأسعار وفي السياق، أبدت الغرفة التجارية بولاية الخرطوم تفاؤلها بتراجع أسعار السلع بالأسواق المحلية بعد تحرير هجليج، وانتفاء حالة القلق والهلع التي كانت تسيطر على الأسواق بعد احتلال هجليج. وتوقّع حاج الطيب الطاهر، الأمين العام للغرفة التجارية بولاية الخرطوم أن يسهم التراجع الذي بدأ في أسعار الدولار بالسوق الموازي بعد تحرير هجليج في خفض أسعار السلع الأساسية بالأسواق، إلى جانب تجاوز حالة الركود والهلع التي كانت تسيطر على الأسواق. تأثيرات نفسية وأضاف الطاهر في حديثه ل (الرأي العام): بالتأكيد تحرير هجليج أحدث تغييرات عديدة بالأسواق المحلية، أولها تبديد حالة القلق والهلع (الحالة النفسية) التي كانت تسيطر على المواطنين والتجار، وانخفاض أسعار الدولار الذي سينعكس إيجاباً على انخفاض أسعار السلع، واصفاً الأوضاع بالسوق بأنها مستقرة وتبشر بانخفاض وشيكٍ في الأسعار واستقرار أكثر في الحالة النفسية التي كان يواجهها التجار بعد الهجوم على هجليج. اختفاء تدريجي فى السياق، يرى خبراء الاقتصاد أن تحرير هجليج سينعكس إيجاباً على الأوضاع الاقتصادية بالبلاد وفي مقدمتها إنهاء حالة القلق والهلع وسط المواطنين وتراجع الدولار وحفز القطاعات الإنتاجية على الاستمرار في الإنتاج، إلى جانب بث حالة من الفرح ورفع المعنويات لدى قطاعات الشعب السودانى كافة. وأكد د. عادل عبد العزيز الخبير الاقتصادي المعروف أنّ استرداد هجليج رفع الروح المعنوية لقطاعات الشعب السوداني كافة ووحّد الجبهة الداخلية الى أعلى مستوى، داعياً في هذا الصدد إلى استثمار هذا التّوحُّد والاتجاه نحو حفز العاملين بمختلف القطاعات الإنتاجية على زيادة الإنتاج، بجانب دفع الإجماع الوطني نحو حركة واسعة للمصالحة الوطنية لدعم وحدة البلاد وتماسكها. وأضاف د. عادل في حديثه ل (الرأي العام)، أنّ الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد الآن سيتم تجاوزها تدريجياً بإعادة الإنتاج في حقول هجليج التي يَتوقّع أن تعود لدائرة الإنتاج خلال أسبوع أو أسبوعين على الأكثر، فضلاً عن الاستمرار في الاستكشافات البترولية والغازية الجديدة في شمال غرب البلاد مع الحدود السودانية الليبية وفي شرق البلاد، وأردف: (كل هذا ينبغي أن يتم وفق تخطيط جديد يجعل من البترول وموارده سنداً وليس بديلاً عن الثروات الحقيقية بالبلاد كالزراعة والثروة الحيوانية). معالجات سعر الصرف وأكّد د. عادل أنّ تحرير هجليج سيؤدي الى زوال حالة القلق والهلع التي كانت تسيطر على المواطنين والأسواق عقب احتلال هجليج، وأن يعود سعر الدولار في السوق الموازي الى أقل من مستوياته الحالية التي تفوق ال (5) جنيهات بقليل إلى مستويات معقولة ومناسبة، داعياً في هذا الصدد السلطات المالية والنقدية بالبلاد إلى التدخل باتخاذ معالجات أساسية لسعر الصرف منعاً للتشويه في الاقتصاد، خاصةً وانّ هنالك فجوة كبيرة ما بين سعر الدولار الرسمي البالغ (2) جنيه و(70) قرشاً، مُقارنةً بسعره في السوق الموازي البالغ نحو (5) جنيهات و(30) قرشاً. حرب اقتصادية ولكنّ د. عز الدين ابراهيم وزير الدولة بوزارة المالية الأسبق يرى أن تداعيات تحرير هجليج لا تنعكس بين (ليلة وضحاها) على الاقتصاد، وإنما تؤثرإيجاباً على مجمع الأوضاع العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، مؤكداً أنّ التداعيات تظهر في الجانب السياسي، ولكن الحرب باطنها (حرب اقتصادية) وهذا ما يُؤكِّد ويُبرِّر لماذا اختارت دولة جنوب السودان الهجوم على منطقة هجليج، بأن تنسف الاستقرار الاقتصادي بالبلاد وتغيب الدور الحيوي الذي يلعبه النفط في الاقتصاد الوطني. دروس هجليج ودعا د. عز الدين الى الاستفادة من دروس هجليج واحتلالها لمدة عشرة أيام من قبل دولة جنوب السودان، مُبيِّناً في هذا الصدد أن الدرس الأول يُؤكِّد أنّ الاقتصاد الوطني قوي وقادر على امتصاص أزمة خروج النفط وأيجاد بدائل، كما أنّ الدرس المهم هو بناء مخزونات ومستودعات للمواد البترولية لضمان إمدادات الطاقة، إلى جانب بناء مخزون من الحبوب خاصةً وأن هنالك شبح مجاعة تواجه عدداً من دول الجوار، فضلاً عن أنّ هنالك تقلبات في الطقس العالمي بوجود حالة من الهياج تنذر بحدوث حرب مع إيران ما يصعب من الأزمة، داعياً في هذا الصدد إلى وضع ميزانية بديلة تواجه تحديات المرحلة وتمتص فقدان رسوم عبور نفط الجنوب عبر الأراضي السودانية بزيادة الصادرات غير البترولية خَاصّةً الذهب واستقطاب قروض خارجية لسد هذه الثغرات والنقص في الإيرادات، واصفاً المعالجات التى تَمّت من قِبل بنك السودان المركزي بزيادة الإحتياطي النقدي القانوني بأنّها إيجابية ومطلوبة في ظل الأوضاع الحالية.