هناك فرق إرضاع الكبير..كلاكيت تاني مرّة ..! منى أبو زيد عندما تناقلت وسائل الإعلام قبل فترة نبأ الطباخ النمساوي الذي نجح في صنع جبن من حليب الأم، تعتمد نكهته على ما تتناوله الأم المرضع من طعام .. انبثق في ذهني سؤال ساخر مفاده الآتي .. إذا أسرف أحد الزبائن في تناول جبنة حليب الأم بكمية تعدل خمس رضعات مُشبِعات .. فهل ستصبح السيدة مصدر الحليب الذي صُنعت منه الجبنة أمه بالرضاع .. ؟! قبل سنوات .. كنتُ من الذين تناولوا بالتحليل والتعليق فتوى الشيخ جمال البنا التي ملأت الدنيا وشغلت المسلمين داخل مصر وخارجها بشأن جواز إرضاع المرأة زميلها في العمل لتحليل خلوتها به في مكاتب العمل المغلقة .. بعض الكتاب بدوا – من وجهة نظر بعض القراء، في حينه – مثيرين للاستياء .. وكأنهم يناقشون تفاصيل فيلم إباحي .. فما بالك بالكاتبات ..! لكنني عذرتهم لسبب بسيط هو أن الذى يتبادر إلى الاذهان النمطية عند الحديث عن إرضاع الكبير هو صورة رجل وامرأة في وضع مخل بالآداب .. مع أن الأمر في حقيقته لا علاقة له – من قريب أو بعيد – بعملية الرضاعة الطبيعية .. بل ينحصر في شرب الرجل بعض الحليب المستخرج من ثدي المرأة في إناء ..! على كل حال .. كان رأيي في حينه أن لا شيء – في الكتابة – اسمه محظور على المرأة أومسموح للرجل .. وكل ما هو مطلوب من الكاتب/الكاتبة الالتزام بادآب الحديث الموضوعي وتقديم المفيد .. لا أكثر .. فالعقل الكبير – أياً كان - لا يحمل نوعاً ..! كان هذا قبل سنوات .. وهاهي ذات المسألة الفقهية تعاود الظهور اليوم من جديد وعلى نحو أكثر إزعاجاً .. فمكان صدورها هذه المرّة هو السعودية نفسها قبلة الحرمين .. ومصدرها هو الشيخ عبد المحسن العبيكان مستشار الديوان الملكي السعودي ..! العبيكان سُئل في برنامج تلفزيوني عن إرضاع الكبير/الأجنبي .. فأقرَّ بموافقته على جواز هذه العملية في حالات الضرورة .. والتي منها السائق والخادم الذي لا غنى لنساء بعض البيوت عنه ..! وذلك استناداً إلى تفسير قوله تعالى (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) .. وحديث السيدة عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم (أرضعيه تحرمي عليه ويذهب ما في نفس أبي حذيفة) .. فتوى إرضاع الكبير استناداً إلى حكاية زوجة أبي حذيفة مع سالم مولى أبي حذيفة ظهرت أول ما ظهرت في العصر الحديث قبل بضع وسبعين سنة .. عندما اشتكى بعض الأطباء المسلمين والممرضات المسلمات في بعض الدول الأوروبية من بقائهم في خلوة طوال ساعات الليل بالمستشفيات .. ف استفتوا بعض علماء المسلمين هناك فأشاروا عليهم بحكاية الرضاعة .. ثم اختفت وعاودت الظهور .. ثم اختفت وظهرت في السنوات الأخيرة كمسألة فقهية مختلف عليها ..! مبعث تكرار إثارة مسألة إرضاع الرجل الكبير – من حين لآخر - هو تقاطع مبدأ شرعي متفق عليه (تحريم الخلوة غير الشرعية بين الرجل والمرأة) مع الكثير من المصالح والمواقف العصرية التي تتطلب وقوف المرأة مع الرجل على قدم المساواة المهنية ..! وهي مسألة معقدة يجد المجتمع العصري المسلم نفسه في كل مرّة غير مهيأ لاستيعابها .. وعليه فمربط الفرس – في تقديري – يجب أن يكون التركيز على مسألة الخلوة غير الشرعية الضرورية، بمعزل عن محاولة كسر عنق الواقع، بإحياء مسألة فقهية نادرة ليتوافق مع مضمون مسألة متفق عليها ..! وعوضاً عن ذلك .. لماذا لا يكون السؤال هو التركيز على كيفية استخدام التكنولوجيا - مثلاً - في المحافظة على مبدأ عدم الخلوة دون المساس بأحكام العصر الحديث ..؟! التيار