وفي أواخر الستينيات ظهر جيل آخر من الإسلاميين في الصومال مغاير للجيل الأول، حيث برزت في هذه الفترة التنظيمات الإسلامية، ومن أبرزها منظمة النهضة وكانت على ما يبدو متأثرة بفكر حركة الإخوان المسلمين في مصر، وحركة الأهل التي بدأت على شكل طريقة صوفية, وكان هدفها الرئيسي الحفاظ على سلوكيات وأخلاقيات الشباب في مواجهة الثقافة الوافدة، وعندما اشتدت قبضة السلطة العسكرية تحولت الحركة من العلنية إلى السرية، وانتشرت أفكارها وتعاليمها في أوساط الشباب في المدارس والجامعات وحلقات المساجد، وأدى تشدد السلطة في التعامل مع هذه الجماعة واعتقال قياداتها وكوادرها إلى هجرة كثيرين منهم إلى السعودية والسودان، وإلى بروز تيارات دعوية داخلها، حيث خرجت من رحم هذه الحركة كما يقول الباحث الصومالى محمد الأمين محمد الهادى مجموعتان رئيسيتان، إحداهما بقيت على الفكر الإخواني، والثانية مجموعة جنحت إلى التشدد والتكفير متأثرة بجماعة التكفير والهجرة في مصر. ومن بين التنظيمات التي ظهرت في تلك الفترة حركة وحدة الشباب الإسلامي، وقد ظهرت في شمال الصومال كرد فعل لأنشطة منظمة كتائب السلام الأمريكية, التي بدأت تنشط في الصومال منذ بداية الستينيات, واستشعر المثقفون والصوماليون عموماً خطر أنشطتها الثقافية والتبشيرية، ونشطت هذه الحركة في الجانب الفكري والثقافي والاجتماعي والدعوي، وقد قويت علاقة هذه الحركة بالتيار الإسلامي في الكويت.. وبعد الانقلاب العسكري عام 1969 وتبنيه للتوجه الاشتراكي اتفقت هذه الحركة مع حركة الأهل في جنوب الصومال على التوحد، وحدثت مواجهات بين قيادات وكوادر الحركتين والسلطات عام 1975 بعد إصدارها لقانون الأحوال الشخصية الذي ساوى بين الذكر والأنثى في الميراث، وترتب على قمع الحركة بروز قيادات جديدة فيها تبنت منهج القطبيين، ووضعوا إستراتيجية للمواجهة مع السلطات، والتي تصاعدت ما بين 1976و1978، وترتب على القمع الحكومي والانشقاقات في صفوف حركة الأهل في جنوب الصومال تسرب أفكار التشدد والتكفير إلى شباب الوحدة في الشمال أيضاً، وانضم أعضاء من الوحدة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين عام 1982، والذي دعمها عبر بعض المؤسسات الخيرية الخليجية. وقد قامت القيادة الجديدة في الوحدة بمفاوضات مع الجماعة الإسلامية في الجنوب أسفرت عن اندماج بينهما عام 1983 باسم (الإتحاد الإسلامي), الذي بدأ يمد علاقاته الخارجية بالحركات الإسلامية، ولا سيما الحركة الإسلامية في السودان بقيادة الدكتور حسن الترابي، ثم ما لبثت أن انشقت الحركتان، واستأثر بالاتحاد الإسلامي السلفيون، الذين شهدت حركتهم ازدهاراً بعد انتشار خريجي المدارس السعودية وعلماء السلفية والدعم الذي يلقونه، رغم مخالفة خطهم للخط الإسلامي العام في المجتمع الصومالي المرتبط أصلاً بالطرق الصوفية والمذهب الشافعي. ونشأت في تلك الفترة أيضاً حركة الإصلاح الإسلامية عام 1978 من قبل بعض المغتربين الصوماليين في السعودية منطلقة من فكر الإخوان المسلمين، وكانت تهدف كما أعلنت لإقامة دولة إسلامية بالصومال وتوحيد الشعب الصومالى وتوحيد القوميات الإسلامية بالقرن الأفريقي، وحرصت الحركة على إظهار التمايز بينها وبين السلفيين وخاصة الاتحاد الإسلامي، وكان قد لحق بالسلفية تشويه كبير من جراء مواجهاتها العلنية للعلماء التقليديين والمواجهات الدموية بالمدى داخل المساجد في ما سمي بتحرير المساجد من المبتدعة، وكان من إنجازات حركة الإصلاح إنشاء المجلس الصومالي للمصالحة بالتعاون مع زعماء العشائر والعلماء والطبقة المثقفة, لنشر ثقافة التسامح وعقد المصالحات بين القبائل. وفي أواخر عام 1990 تمت عسكرة الدعوة الإسلامية في الصومال نتيجة عودة عدد قليل من الشباب الصومالى الذي كان في أفغانستان إلى مقديشو، وكانت الحكومة الصومالية تواجه تحديات كبيرة ومعارضة شعبية في الشمال والجنوب، بل وتمرداً عسكرياً في كثير من المناطق، وكانت المواجهة مع النظام تأخذ طابعاً قبلياً، وفكر قادة حركة الاتحاد في مستقبلهم فجاءهم صوت العائدين من الجهاد الأفغاني بأن عليهم أن يتسلحوا ليجاهدوا وينشئوا الدولة الإسلامية الصومالية، ولم تكن هذه الدعوة تجد في البداية آذاناً صاغية، لكن بعد انهيار النظام الصومالي في أوائل عام 1991 وتعرض كثير من الناس في العاصمة مقديشو إلى تصفية قبلية، اضطر الكثير من شباب حركة الاتحاد الإسلامي لحمل السلاح والانخراط مع قبائلهم، وتورطت الحركة في كثير من الحروب والمواجهات منذ سقوط الحكومة الصومالية أساءت إلى سمعتها, وتلقت ضربات عسكرية كانت عواقبها تشظيها إلى عدد من الجماعات.. ..ونواصل.. الحقيقة