إستفهامات مع التلفزيون في يوبيله الذهبي أحمد المصطفى إبراهيم أول مرة أشاهد فيها هذا الجهاز – التلفزيون – كَانَ ذلك في ستينات القرن الماضي بنادي الجريف غرب، حيث كُنت برفقة والدي – رحمه الله – في زيارة لصديقه، عمنا سليمان إدريس رحمه الله – وأخذني عمر سليمان مع اخوته إلى النادي حيث كان هذا الجهاز موضوعاً على منصة عالية والناس يُشاهدون ويسمعون ونحن في الريف نسمع الراديو فقط، لا أذكر ماذا رأيت ذلك اليوم، لكن صورة الجهاز والناس أمامه مازالت مطبوعة في ذهني. علمنا – في ما بعد – أنّ الحكومة وزّعت عدداً من هذه الأجهزة للأندية والساحات العَامّة كنشر للثقافة، أو لأنّ ثمنها في ذلك فوق طاقة كثيرٍ من الناس. وظّلَ التلفزيون يبث للعاصمة فقط قرابة العشر سنوات ولم يخرج منها إلاّ في عهد مايو وكان أول خروج له للجزيرة في رحلة شَاقّة عبر محطات المايكرويف، ويوم بث من الجزيرة كان افتتاحه داوياً وخطاب عمر الحاج موسى كان مشهوراً في ذلك اليوم. أول جهاز تلفزيون يدخل قريتنا – اللعوتة – كان في نادي القرية، وبمعاونة من الخدمات الاجتماعية لمشروع الجزيرة التي دفعت نصف القيمة ودفعنا كلجنة نادٍ النصف الآخر 75 جنيهاً، كان جهازاً خشبياً ضخماً موبيليا، واشترينا له مولد كهرباء، إذ لم يكن في القرية كهرباء يومها وكان الدخول إليه بتذاكر \"قرش أو قرشين تقريباً\". ولقد غيّر هذا الجهاز العجيب ليل القرية، ويبدو أنّ له آثاراً إيجابية تستحق الدراسة (يلا يا شباب الجامعات واحد بحث عن أثر ذلك التلفزيون في حياة مواطن الجزيرة اللعوتة مثالاً). مازال التلفزيون أبيض وأسود، بعد دخولنا الجامعة في بداية السبعينات كان في نادي كلية التربية (ما تقولي يا تو كلية تربية؟ ما هي واحدة في ذلك الزمن)، كان هناك جهاز وحيد موضوعا على منصة، يقضي معظم الطلاب ليلهم أمامه ومنهم من لا يَتحرّك من أمام الشاشة إلاّ بعد نهاية الإرسال، حضور سهرات الاثنين لمتوكل كمال - رحمه الله - كان كبيراً جداً وصور شعبية الطيب محمد الطيب رحمه الله أيضاً من الذي حفر في الذاكرة، غَير أنّ مسلسلاً أجنبياً اسمه (بيتون بليس) كان طويلاً واستمر لسنوات وأيضاً له زبائن، وكان هناك مُعلّقون مشهورون من المشاهدين ينتظر الكثيرون قفشاتهم وتعليقاتهم، يا ربي هل كنت أنا واحداً منهم..؟ غير أنّ سهرتين لا أنساهما سهرة بمناسبة مرور عشر سنوات على التلفزيون كان الضيف فيها اللواء محمد طلعت فريد مؤسس التلفزيون، وشارك فيها أحمد المصطفى بالغناء رحمهما الله، كان فيها طلعت فريد كالحجر لم يهتز ولم يحرّك إلاّ قلماً كان بيده \"أما عساكر بجد\". السهرة الثانية كان فيها الضيف مسؤولاً حكومياً كبيراً وجاء مخموراً تماماً وهي حَيّة وعلى الهواء، أذكر أنّني اتصلت بالتلفزيون من الهَاتف الذي كان موجوداً وبالمجان لخدمة الطلاب، وقلت لهم ما هذا السخف وخرجت \"زعلاناً\" ممّا رأيت وأبلغوني أنّ من جاء بعده كان طينة وكانت سهرة مسخرة بعدها خرج علينا نميري بالقيادة الرشيدة. نواصل بإذن الله التيار