تراسيم.. المبارزة على حافة الهاوية !! عبد الباقي الظافر في الثالث والعشرين من يوليو الماضي .. كان هنالك خمسة عشر قاضيًا يجلسون على المنصة الخشبية في لاهاى الهولندية .. يتداولون بجدية أهل القانون في أمر رمت به على طاولتهم دولة صربيا .. صربيا رفضت الاعتراف بإعلان استقلال جزء من أراضيها ذات الأغلبية المسلمة .. كوسفو في فبراير 2008 شبّت عن الطوق وأعلنت استقلالها من طرف واحد. القضاة وبعد تدقيق أعلن تسعة منهم مباركتهم لإعلان الاستقلال .. فيما عارضه أربعة .. ولاذ اثنان بالصمت الجميل .. ولم يكن هذا القرار الاستشاري إلاّ إقرارًا بالواقع .. فقد أعلنت من قبل تسعة وستون دولة تأييدها لاستقلال كوسوفو .. إلاّ أن الحكم القضائي وجد مساحة بين شغاف قلب هيلارى كلنتون والتي طالبت بقية العالم بالاعتراف بالدولة الجديدة .. ومضى في أثرها الوزير الفرنسي كوشنير .. ولكن لك أن تعرف عزيزي القارىء أن المغرب والصومال والبوسنة يرفضون ميلاد دولة إسلامية في أوربا ويتفقون في ذلك مع الصين وروسيا ..أرجوك لا تسألني عن السودان.. في الخرطوم هنالك من لا يعتبر بتاريخ الأمس القريب .. فقد صرّح السيد الزبير أحمد الحسن ومن أمانته الاقتصادية في الحزب الحاكم ..ألا استفتاء بغير ترسيم حدود فاصلة .. وزاد المستشار صلاح قوش الأمر إيضاحًا وقال إن قرار التحكيم الدولي حول أبيى يحتاج إلى مُخرجات جديدة.. وقطع عوض الجاز قول كل خطيب وأبان أن انفصال الجنوب غير ممكن .. ونظر للموقف الجديد بنَفَسٍ بارد وبلغة دبلوماسية البروفيسور إبراهيم غندور في حديثه لصحيفة (الصحافة) يوم أمس. الحركة الشعبية دخلت ميدان المبارزة عارية .. وسخر رئيسها سلفاكير من الربط بين ترسيم الحدود والاستفتاء .. فيما هدّد حاكم أبيى باللجوء إلى مجلس الأمن في حال تفاقم الأوضاع. في تقديري المتواضع مثل هذا التصعيد من جانب المؤتمر الوطني جانبه التوفيق .. وأن استند إلى منطق تكتيكي .. هذه اللغة الحادّة تهدم ما يحاول أن يبنيه نائب الرئيس علي عثمان طه .. وهو تثبيت الثقة بين الشمال الجنوب .. والشيخ الذي اضطُر للرقص في منقلا .. كان يقول لأهل الجنوب: قلوبكم لا جيوبكم. كما أن تشدُّد الخرطوم يصادمه منطق أن ترسيم الحدود بينها وجاراتها مازال مستمرًا رغم مرور أكثر من خمسين سنة على الاستقلال .. بل إن بعض المِلفات الحدودية مازالت قنابل موقوتة مع كثير من دول الجوار القريب. والأهم من ذلك سابقة كوسوفو تقدم دعمًا لا محدود لجوبا التي لها أكثر من خيار.. وليس للخرطوم غير خياراتٍ محدودة جدًا. التيار