حديث المدينة في الهدم شرق!! عثمان ميرغني مواطن اشتكى لي أمس من غارة اجتاحت بقالته الصغيرة التي يأكل منها رزقه الحلال.. طلب منه مندوبو محلية في شرق النيل دفع رسوم تأخر عنها.. ثم قرروا مصادرة بعض البضائع في البقالة إلى حين سداد قيمة الرخصة.. كان يتحدث معي بالهاتف ويشرح لي الموقف الذي هو فيه.. طلبت منه أن ينقل الهاتف إلى موظف المحلية الذي يقف أمامه.. تحدثت معي موظفة قالت إن لديها تعليمات مشددة (الدفع.. أو الرفع) دفع الرسوم أو رفع أي شيء في المحل.. قلت لها مثل ماذا مثلاً.. ردت عليَّ بكل ثقة: (ممكن مثلاً أشيل صندوق البارد.. أو الميزان..) قلت لها لكن ذلك خطأ جسيم.. فالقانون لا يسمح بمثل هذه الممارسة.. ردت عليَّ بثقة أكثر.. أن (القانون يسمح ونص!) لأن المحلية زوَّدتها ب(أورنيك حجز).. لزوم التوثيق.. انقطع الخط الهاتفي ولم أستطع إكمال المحادثة.. لكن المواطن أبلغنى بعدها ببقية القصة.. سأحكيها لكم رغم أني أعلم مسبقاً أنكم لن تصدقوني.. وستفترضون أنها محض خيال.. لكن بصراحة.. حتى الخيال لا يمكن أن ينجب مثل هذه القصة.. على كلٍّ سأحكيها لكم و(أمري لله) على قول الفنان محمد الأمين في أغنية أستاذنا فضل الله محمد (الجريدة).. موظفة المحلية.. أمرت جنودها البواسل بأن يرفعوا (قدرة الفول) .. تصوروا.. لكن لم ينته الأمر هنا.. ثم (الصاج) الذي تصنع فيه (الطعمية) .. لا تتسرعوا مازال في القائمة بقية.. وأخيراً (المقصوصة) وهي الملعقة الكبيرة التي تستخدم لإخراج الطعمية من الزيت الساخن.. هل فهمتم العلاقة بين الأصناف الثلاثة التي صدر قرار بمصادرتها.. العلاقة أنها (أدوات الإنتاج) التي تعمل بها البقالة.. وبمصادرتها تتعطل تماماً إمكانية صناعة وجبة الفول.. وبالتالي ينصرف الزبائن.. فتبور بقية سلع البقالة.. أي إتلاف ال(Business) بأعجل ماتيسر وضرب المواطن (الغلبان) في أهم أدوات عمله.. هذا المواطن ربما حصل على رقم هاتفي ليجعلني شاهداً على المعارك اليومية التي تخوضها المحليات ضد المواطن.. لكن يا ترى كم غيره من الآلاف المبعثرة في هوامش الطرقات يقعون فريسة (هولاكو) ولا يعرفون أرقاماً للاتصال بها وإبلاغ شكاواهم.. وياترى ماذا يفعل هؤلاء؟ أغلب الظن أنهم يرسلون شكواهم بكل حرارة القلب المفجوع في وطنه إلى السماء مباشرة.. يرفعون أيديهم ويسألون الله بكل صدق.. فيقول لسان حالهم: (حكومتنا لرعايتنا.. أم لإرعابنا).. الأمر لا تنحصر مسؤوليته في المحلية وموظفيها.. بل يمتد إلى أعلى.. والي الخرطوم هو الحاكم الذي يُسأل عن ما تفعل محلياته.. هذه الممارسة توقفت أيام الانتخابات.. وعادت الآن.. ولولا علم المحليات أنها (عيب) وإهانة لشعب كريم.. لما أوقفتها في الانتخابات.. يا سعادة الوالي.. لا فرق أبداً .. بين حركة مسلحة تحمل السلاح في أي مكان في السودان.. وبين حركة غير مسلحة لكنها تهدم وتدمر العلاقة النفسية بين الحكومة ومواطنها.. كلاهما في الهدم شرق.. التيار