[email protected] في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها السودان بسبب فشل تجارب الحكم، سيما العسكرية منها، ولسنا في حاجة لاحصاء تلك الاخطاء سواء كانت في إطار التنظير، أو على صعيد الممارسة اليومية لإدارة الحكم في السودان خلال الخمسون عاماً الماضية. الآن دخل الصراع السياسي في البلاد مرحلة خطيرة، ويتمثل ذلك في اقتراب لحظة ممارسة الاخوة في الجنوب لحقهم في الاستفتاء الذي كفلته لهم اتفاقية نيفاشا التي ابرمها المؤتمر الوطني مع الحركة الشعبية، بعد نضال طويل دفع فيه الاخوة في جنوب البلاد الملايين من الشهداء من اجل الحصول على حقوقهم السياسية والاقتصادية والثقافية. لكن إنطلاقاً من واقع لغة الارقام والمال التي تقول: ان النفط المستخرج من الجنوب يمثل نسبة 80% او اكثر من عائدات السودان، فيبدو من الصعوبة بمكان، ان يوافق نظام الانقاذ \" باخوي وأخوك\" على مرور الاستفتاء بطريقة سلسة وسلمية. وهذا إن حدث، فهذا معناه أن البلاد ستدخل مرحلة الحرب الشاملة. اذ تبادر الحركة الشعبية لإعلان الاستقلال من داخل البرلمان في جوبا، وهذا التوجه سيجد الدعم والمساندة من دول الجوار والدول المؤثرة في صنع القرار الدولي وعلى رأسها اميركا والاتحاد الاروربي ، باعتبار ان ارض الجنوب ما زالت ارض بكر، وفي حاجة للتنمية، وإنشاء الخدمات، بجانب الكثير من الثروات والمعادن التي يسيل لها لعاب الشركات الكبرى ليس هذا فحسب. بل حتى الاستثمار في السودان ستتغير وجهته نحو الجنوب. عندها ستكون الحرب شاملة ولن تكون حدودها ابيي او ملكال كما جرت العادة بل سيتسع مداها ويكثر اللاعبيين فيها والمستفيدين منها لذلك ربما تصل مدن في اقصى الشمال ربما تصل شندي وعطبرة ودنقلا بعد ان تساوت الأكتاف بين الشمال والجنوب، دانة بدانة وصاروخ بصاروخ. إذن الحرب ستكون شاملة ومدمرة وبلا نهاية وستكون حرب كسر عظم، والعظم السوداني قد اوهنته سياسات الانقاذ التي خربت العقول ودمرت النفوس، وافقرت بيوت الملايين من الشعب لانها اعطت الاستثمارات والمال الذي نهبته من اهل الاقاليم المهمشة لحفنة من الشعب لا تتجاوز نسبتها اصابع اليد الواحدة، تاركة السواد الاعظم من الشعب يعاني الفاقة والحرمان مما جعلها تجربة عارية، بلا اخلاق او قيم. اخلاقها وقيمها هي تاسيس شرعيتها المفقودة على اساس السيطرة بالقوة على السلطة والمال، الامر الذي الغى في ذهنها الوظيفة الاساسية للحكم وهي إشاعة الحريات وبسط العدل بين الناس. لذلك تبرز اهمية مبادرة الاستاذ علي محمود حسنين، ليس، لمكانة الاستاذ، ودوره النضالي الذي ظل يضطلع به خلال تجارب الحكم الشمولية سيما تجربة الانقاذ فحسب، بل للافق السياسي الذي تطرحه مبادرته المتمثلة في تكوين جبهة وطنية عريضة لاسقاط نظام الانقاذ ومن ثم اقامة حكم فيدرالي حقيقي من اجل بناء سودان ديمقراطي موحد. ان المبادرة المطروحة امام القوى السياسية السودانية تتكون من ثمانية عشر بنداً وأهم بندين حوتهما المبادرة في تقديري هما البندين الرابع والخامس. البند الرابع يقول: تطبيق النظام الفيدرالي الحقيقي بين سبعة اقاليم هي الجنوب ودارفور وكردفان والاوسط والشمال والشرق والعاصمة القومية، على ان ينشيء كل اقليم ما شاء من ولايات داخله تكون مسئولة أمام الإقليم، ولكل إقليم إنشاء نظام قضائي حتى مرحلة محكمة الاستئناف على أن تكون المحكمة العليا والمحكمة الدستورية قومية. والبند الخامس يقول: يكون رأس الدولة مجلساً مكوناً من رئيس وسبعة نواب، من كل إقليم نائب وبذلك يدير كل إقليم شأنه من جهة ويشارك في قيادة الوطن على مستوى الرئاسة من جهة أخرى. أن غياب هذين البندين عن تجارب الحكم بالاخص العسكرية منها، لانها الاطول عمراً، في تاريخنا السياسي، هو سبب الصراع الذي غرق فيه السودان منذ نشؤ الدولة السودانية حيث كانت تدار من جهة واحدة، سلماً او حرباً وهذا ما اوصلنا الى هذه المرحلة التي نحن فيها الآن...! لذلك اعتقد ان مبادرة الاستاذ، علي محمود حسنين، وإن جاءت متأخرة إلا إنها وضعت الاصبع على موضع الحرج والالم اللذين ارقا البلاد ارضاً وشعباً وخيرات، إذ اعترفت مبادرته، بحق كل اقليم ان يدير شؤونه السياسية والاقتصادية والقانونية من غير تدخل من اية جهة اخرى. وكذلك حكم البلاد يكون عبر مجلس رئاسي منتخب تشارك فيه كل اقاليم السودان بشكل دوري ولكل اقليم نائب رئيس، هذا إن حدث سيقضي على الشعور بالظلم والغبن الذي يحسه اهل الهامش وما اكثرهم من نمولي الى حلفا الذين دفعوا الثمن غالياً خلال الخمسون عاما الماضية التي ظلت تسرق فيها مواردهم وفرصهم في الحياة أمام أعينهم تحت شعارات، كانت كلها، كلام، في كلام .. لم يجنو منها سوى الفقر والجهل والمستقبل المجهول الذي يواجه السودان الآن..! الطيب الزين رئيس تجمع كردفان للتنمية - كاد