نويت مدينة لا ينقصها الهدوء ولا يعرف أهلها من اللغة إلا كلمة موجود إذ لم يكونوا يستخدمون اللغة كثيرا لان دخان الشواء كان يتولى عنهم عزومة الضيوف إلي الموائد التي تضيق بكل الأصناف . وكان الشبع يسير في شوارعها بكسله المعهود ،يداعب أطفالها حين يلعبون تحت الدومة المديدة السعيدة . في ذلك اليوم الذي كان هدوءه أكثر من المعتاد تضامنا مع ما سيحدث وعند الساكتة تماما وهي اللحظة التي يسمع عندها صوت سقوط الإبر على الأرصفة دوى صوت عاليا جدا لم يسبق لأهالي المدينة أن سمعوا مثله كان عاليا بحيث صم أذان الجميع ولم تسترح بعده البنادق معلنة وصول جيوش الموت إلي أطراف المدينة التي كانت هادئة. تدفق الدم وجموع المواطنين إلي شوارع نويت التي ضاقت بهم كما تضيق شوارع المدن البعيدة بمياه الأمطار عندما يفاجئها الخريف كل عام.كانت أيادي السكان فارغة من الأشياء إلا الفزع والخوف الذي يكفيهم إلي حين موتهم. كانوا يزحفون هاربين من الموت الذي أحاط بالمدينة، الموت السريع يحصد الأرواح كما تفعل الحاصدات الآلية بمحصول القمح. هرعوا للالتحاق بمعسكرات أعدتها المنظمات على سراب الصحراء ليبطئوا فعل الموت في أهالي نويت الذين تركوا خلفهم المبردات واللحم والخبز ليشربوا المياه الساخنة بأغطية الجركانات ويأكلون الفتات الذي تجود به الدول المانحة بعد مروره بالسلم البيروقراطي كما يمر البطيخ في الأحجية الشعبية والتي تقول أن البطيخ يمر بسبع أبحر، كل بحر يأخذ نصف الحصة التي تمر به ولكن في حكايتنا هذه عندما تصل الحصة إلي المرفأ الأخير تعود إلي نقطة البداية لتكرر الدورة سبع مرات فيتبقى منها عدم يمد حياة الهاربين لبضع ساعات أخرى.مع زوال الشمس وبداية تبدد السراب وأعداد الموتى ترتفع ، وصل أخر عدم من الإعانات لتمد حياة أخر ناجي لأخر ساعة من عمره.مات ومعه شعاع الشمس الذي تذّهب بفعل الزمن وأصبح خيوطا واهنة تشرخ الأفق وهو يستشرف الظلام. غربت الشمس وحياته وبالتزامن مع هذا الوقت وفي نويت التي تضج بالمفرقعات قضت البنادق علي كل شيء وعاودوا الهدوء بعد أن أعلنوا انتصارهم وقال أعظمهم (ما خلينا طفاية النار) ثم انصرفوا لاحتفالهم الصاخب دون اكتراث لحجم الدمار الذي امتلأ به المكان. مع إسدال ستائر الصباح في مسرح اليوم التالي للإحداث كان الدمار قد عم المكان ولأن المخربين لم يكونوا ينون سوى التخريب ظلت المخازن مكتنزة بما كان فيها من محاصيل تعلن عن وجود الشبع دون رفقه، الشبع كان نائما عندما استيقظ فاجأته أكوام الرماد ،امتلأ رعبا وبدأ بحثه المجهول عن المناظر المألوفة ولم يجد منها شيئا ، انسدل في كل شوارع المدينة وضربات قلبه تتزايد شارعا بعد شارع كان يسير سريعا عكس عاده، بدأ الملل يتسرب إليه وتلاشى الأمل عن دنياه. أتخذ قرارا أبقاه في نفسه وزاد سرعته في المشي بعد أن فقد الأمل تماما. فجاء توقف أمام احد المباني همهم ثم دخل إلي المبنى الذي انطلق منه الصوت العالي لم يحتاج لكسر الباب لأن قذيفة تولت ذلك عنه أو عن نفسها تسلق السلم اللولبي ودرجاته تتهاوى تنهار بمجر رفع رجله عنها ، لم يأبه بذلك لأنه لم يكن ينوي العودة واصل الصعود إلي أن وصل قمة المبنى وعانقت يده هلال المئذنة التي لم تستخدم من قبل وكأنها أعدت لهذا اليوم وهذه المهمة بالذات أخذ يجول بنظره في أطراف المدينة الغارقة في الظلام واستقر نظره علي الدومه اليائسة البائسة ثم ملا جوفه من دخان المدينة المتبدل قفز بعدها مباشره وانهار ورائه المبني. الميدان