ناة النيل الأزرق ومكيجة الواقع القبيح للبلد أسامة بابكر حسن [email protected] في كتابه الجمهوريةThe Republic ، أكد أفلاطون في فصل الشاعرية The Poetic أن الشاعر خطر على جمهوريته لأنه ينقل المواطن من الواقع مرتين، وقد خالفه في ذلك أرسطو مؤكداً بأن للشاعر دوراً هاماً في شحذ ضمير المواطن بالفضائل، إلا أن أفلاطون لم يقصد بذلك كل الشعر، وكل الشعراء وإنما أردف نقده بمقولة Every too much is bad \" البفوت حدو بنقلب ضدو\" .الواقع السوداني السياسي والاقتصادي يحمل كل حادب على مصلحة الوطن الكبير من الدهشة من ما يقدمه الاعلام الخاص السوداني المتمثل في القنوات التجارية خصوصاً قناة النيل الأزرق التي تثير أكثر من علامة استفهام حول رسالتها الاعلامية لا سيما ما تقدمه من برامج إنصرافية والبلد يمر بنقطة فارقة في تاريخه. ولا أدري ما هي إجابة إدارة برامج رمضان في هذه القناة التي ساهمت بكل فعالية خلال شهر رمضان بملء آذان المشاهدين بكثير من الغناء دون مراعاة حتى لحقوق ملكية فنانين وشعراء منهم من تغمده الله برحمته ومنهم من يكابد شظف الحياة مثل الشاعر المرهف محجوب سراج رد الله بصره ومتعه بالصحة والعافية. قناة النيل الازرق حسب مقولة أفلاطون هي التي تنقل المواطن من الواقع لعالم اللاواقع لا مرتين بل ثلاث مرات، فالترف والارستقراطية التي تبدوا على مذيعاتها اللائي نتمنى أن تتسع معايير اختيارهن وتشمل سودانيات أُخر من الشرق والغرب والجنوب ومناطق النيل الازرق لتؤسس فعلياً للسودان الموحد لا من خلال الغناء والشعر فقط حتى لا ينطبق عليها توصيف أفلاطون. تتجول كاميرا القناة في برامجها لنقل واقع مترف من خيم رمضانية، ومتنزهات ترفيه لا يتجاوز مدى وجودها حدود 50 كيلومتراً مربعاً من حجم السودان البالغ حجمه مليون كيلومتر مربع، ويلفتك الحضور الكثيف للعصائر والفاكهة والمأكولات في أغلب اللقاءات داخل وخارح الاستديو ومثالها في احدى السهرات التي غنى فيها شكرالله خلف الله، لقد كان مشهد المشروبات والمأكولات لافتاً بحق وكأنه إعلان ترويجي. هل يعلم أهل القناة أن الانتاج الزراعي في سودان 2010 أقل ولحد كبير من الانتاج الزراعي في سودان عام 1962 مثلما صرح بذلك أحد الاختصاصيين الزراعيين القدامى من الذين لا يسمع إليهم أحد ولا تستضيفهم قناة .. وكيف تستضيف هذه القنوات الانصرافية أمثال هؤلاء ... فهؤلاء يقولون الكلام \" الببكي\" لا الكلام \"البضحك والبرقص\". ليت قناة النيل الازرق تخرج لتصوير الحياة والواقع الحقيقيين للاغلبية المسحوقة في السودان، لا نطلب من القناة السفر ثلاثة أيام لتصويرواقع الحياة في قرى ومدن شرق وغرب ووسط واقصى شمال السودان بل الخروج من عالم القناة الارستقراطي الى أطراف الخرطوم فقط ففي هذه المناطق مواضيع دسمة لإثراء القناة برامجياً في شتى المناحي وستكون هذه المناطق سبب لإخراج القناة من الجدب الابداعي الذي تعاني منه وتغطيه بتدوير الغناء وجعله عنصراً أساسياً في جل برامجها، فما من ضيف يستضاف إلا ومعه فنان أو أغنية مبثوثة!!! في هذه المناطق ستجد القناة مواداً للتراجيديا، ولمسرح العبث واللامعقول Absurd Theaterومواد لمناقشة الرداءة الصحية، والاخطاء الطبية، والسبيل لجودة التعليم، والسبيل لتطوير الاصحاح الصحي، وستجد أن حالات البلهارسيا التي كانت محصورة في الجزيرة ومناطق النيل الأزرق دخلت حتى إلى الخرطوم ... الخ. هذا والقناة تغني حتى لغرف النوم والستائر والكراسي حيث أصبح لكل شيء أغنية في بلد التوجه الغنائي، الذي يقص فيه الرقيب الأمني المقالات الصحفية التنويرية .. بينما يترك الفضاء مفتوحاً لهذه القنوات طالما أنها تصرف الناس عن همومهم والمطالبة بحقوقهم الحياتية الأساسية. هل يمكن أن يكون الإعلام أفيوناً للحياة!!. لقد قال المرحوم طيب الذكر الطيب صالح بأن الترف لا يصنع ثقافة متينة. فبهذه الطريقة لن تتمكن قناة النيل الازرق من إثراء برامجها من المقابلات والجولات البرامجية وسط المجتمعات المخملية القليلة المتمثلة في المجتمع الارستقراطي السياسي والتجاري في الخرطوم هذا المجتمع الذي لا يمثل من أهل العاصمة نفسها إلا نسبة ضئيلة جداً، فجل أهل العاصمة يا قناة النيل الأزرق ليس في اتاحتهم دخول الخيم الرمضانية الفخمة، ولا منتجع مزن بيتش Mozn Beach، ولا شراء تشكيلة الثياب التي يرتدينها المذيعات لزوم الدعاية. دهشتنا هذه لأن قناة النيل الأزرق كأنها غير معنية بأن البلد تفصلها أقل من أربعة شهور من مصير خطير وهو الاستفتاء الذي تشير كل الدلائل بأنه يسير في مصلحة الانفصال بعد أن جعلت النخبة الشمالية ومنها قبيلة قناة النيل الأزرق الوحدة غير جاذبة بانصرافيتها من الأهم إلى المهم حسب رؤيتها الإبداعية ورسالتها الإعلامية. يا قناة النيل الأزرق غني ما شاء لك الغناء فغداً تبكين بلداً أسهمتي في تضييعه كالنساء، ولم نحافظ عليه كلنا كالرجال. إن كون القناة ثقافية فقط لا يعفيها من الاسهام في القيام بدور تنويري لا الاقتصار على دورها الافيوني الحالي بحجة تبني الثقافة ... متى كانت الحركة الثقافية والأدبية غناء فقط إلا إذا كان هناك توجيه بذلك من خلف الكواليس. الحركة الثقافية يمكنها قراءة ومناقشة التجارب الإنسانية الحاضرة والسابقة، والخطط التنموية والسياسية الشاملة. فالآن هناك دول ليس لها في سوح منظمات الأممالمتحدة عدد أصابع اليد من الخبراء بينما عدد الخبراء السودانيون في المنظمة الدولية بالعشرات، وهذه الدول تسعى وتجاهد بشدة لتطبيق أهداف الألفية التنموية Millennium Development Goals التي صاغتها الأممالمتحدة ولا تحظى في قنواتنا بالذكر من باب الذكرى تنفع المؤمنين. ------------- مترجم مقيم بالبحرين