حين جاع الناس في فرنسا في القرن السادس عشر؛ خرجت الملكة، أو زوجة الملك لويس السادس عشر ماري انطوانيت تسأل عن سر تظاهر \"الشعب\"، فقيل لها أنّهم لم يجدوا خبزاً، فتساءلت بكل هدوء؛ لماذا لا يأكلون \"الجاتوه\"، ولا نريد هنا مقاربة ماري انطوانيت بحديث وزير المالية السابق، ومهندس سياسات التحرير الاقتصادي، والخصخصة، الخبير عبد الرحيم حمدي، والذي قال في حوار صحفي قبل أيام في إحدى الصحف السيارة \" المطاحن أو المخابز اليوم تصنع (25) مليون رغيفة في اليوم، فهل هناك طبقة صغيرة تأكل هذه الكمية من الرغيف؟ (يأكلها مجموع الشعب)، الصيدليات، والسيارات، وصل مجموعها الآلاف، فهل هي ملك لأقلية؟. ولسنا هنا في موقف محاكمة فإذا كان ما يأكله السودانيون يبلغ (25) مليون قطعة خبز في اليوم فيما يبلغ عدد السكان وفق التعداد الأخير حوالي (40) مليون، فهذا يعني أنّ نصيب الفرد أقل من قطعة واحدة أو ثلث ربما؛ في اليوم، وهي قطعة يمكن التهامها \"مرة واحدة\" مع انخفاض الوزن اليومي الذي أوصلها حالة من \" سوء التغذية\"، أو انعدام الوزن في سياق سياسات الخصخصة، وقفزات \"القطط السمان\"؛ لكن كم يبلغ نصيب الفرد منّا إذا ما تمّ تقسيم 25 مليون رغيفة حمدي على الثلاث وجبات... ونشير هنا إلى أنّ \" ولاية الخرطوم وحدها تستهلك حوالي80% من القمح! بواقع 32 ألف جوال قمح، بمعنى أن بقية ولايات السودان تأكل نسبة 20% فقط! أي قرابة ال 5 ملايين قطعة !. لكن ليس هذا هو المهم وحده بل المهم أنّ السياسات الاقتصادية لحكومة الإنقاذ أهلمت الانتاج الزراعي، برغم شعارات \" نأكل مما نرزع\"، \"والنفرة والثورة والنهضة الخضراء أو الزراعية\"، ونشير هنا إلى أنّ انتاج القمح قبل الانقاذ ، أي في عام 1989 بلغ حوالي 500 ألف طناً في مساحة قدرت بحوالي 274 ألف فدان في مشروع الجزيرة، فيما تضاعف المزروع والمنتج ليصل في الموسم 91،/1992م ما يقارب مليون فدان، لكن سرعان ما تراجعت المساحة والانتاجية، والانتاج مع تغيير مطرد في نمط الاستهلاك، وفي الثقافة الغذائية كتطور طبيعي لسياسات الخصخصة، و\" نعنشة النفط\" والتحولات الاجتماعية الطبيعية. ومع قلة الانتاج وازياد الاستهلاك تضطر الدولة لفتح استيراد القمح، فيدخل المضاربون، وتنفذ القطط السمان لتستثمر في \" الجوع والحاجة\" ، وترتفع أسعار الخبز!!. والغريب أن مجلس الوزراء وفقاً لبيان الحركة الشعبية رفض الزيادة الأخيرة، ومجلس تشريعي الخرطوم أعلن رفضه جهاراً نهاراً، وكذلك اتحاد عمال السودان الحكومي، فمن وراء الزيادة.. ومن وراء إرهاق المواطنين المساكين بجرعات يومية من العذاب. لقد أعلنت حكومة الانقاذ أنّ هدفها المواطن؛ لكنّها تدهسه كل يوم بعجلتها غير الرحيمة، وقديماً قال أحد قياداتهم \" ربما تؤدي السياسة إلى موت ثلث السكان، لكن لو كان ذلك في صالح الثلثين فلا مناص في الأمر\"!!. وربما تكون 25 مليون قطع الخبير حمدي تعني أنّ البقية في أمان طالما هناك من يأكلون عدد تلك الرغائف!. أما ماري انطوانيت فهي لم تسمع بقصتنا، وغصتنا!. لأنّ من لا يأكل خبزاً فيمكنه أن يأكل \"جاتوه\" لأنّ الخبز في ارتفاع لا يقدر عليه سوى الموسرين. اجراس الحرية