الرأي23 الملتقى الدولي التشاوري في أديس أبابا حول السودان أ.د.الطيب زين العابدين انعقد يوم السبت الماضي «6/11» في مبنى الاتحاد الإفريقي بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا الملتقى الدولي التشاوري حول السودان تحت رعاية الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، وحظيت المنظمة الوطنية لدعم الوحدة الطوعية بدعوة كريمة من منظمة آيديا « IDEA» في جنوب إفريقيا لحضور هذا الاجتماع الهام في هذه المرحلة الحاسمة من تنفيذ اتفاقية السلام الشامل ومن مفاوضات مشكلة دارفور. مثل المنظمة في الملتقى كل من الدكتور السفير «م» نور الدين ساتي والبروفسير الطيب زين العابدين والسيدة باسكلينا فيلب من جوبا، وكان ضمن الوفد الأستاذ ديفيد كويث المستشار بمجلس الصداقة الشعبية العالمية إلا أنه تأخر لعذر طارئ فلم يلحق بالملتقى الذي استمر ليوم واحد. يعتبر الملتقى متابعة للاجتماع الدولي الذي انعقد في يوليو من العام الماضي بقصد تنوير المجتمع الدولي بتطورات القضية السودانية التي أصبحت شأناً دولياً وإقليمياً بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وتقع المسؤولية في ذلك على المؤتمر الوطني في المقام الأول ثم على الحركة الشعبية وقد نجد عذراً للحركة الشعبية لأنها تستنصر بالمجتمع الدولي في مواقفها التفاوضية ولكن ما هو عذر المؤتمر الوطني الذي يشتكي من ملاحقات المجتمع الدولي له؟ اشتمل برنامج الملتقى على جلستين، تحدث في الأولى الرئيسان المناوبان رمضان العمامرة مفوض السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي وألان لو روي وكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام بالأمم المتحدة ودار حديثهما حول اهتمام المجتمع الدولي بالقضية السودانية لتأثيرها على السلام العالمي وعلى أوضاع القارة الإفريقية وامتدحا الشريكين لأنهما قطعا شوطاً مقدراً في تنفيذ اتفاقية السلام الشامل رغم العقبات والعثرات واستحثاهما لإكمال الشوط حتى نهايته بروح التفاهم والتراضي حتى يتعزز السلام وتستقر الأحوال؛ وترأس الجلسة الأولى بكفاءة عالية العمامرة الجزائري الجنسية. تلى ذلك تقويم الشريكين لما تم تنفيذه في اتفاقية السلام الشامل وما تبقى منها وموقف كل منهما في القضايا العالقة، وماذا يريدان من المجتمع الدولي؟ أعقب ذلك أسئلة وملاحظات من بعض الوفود والممثلين رد عليهم الشريكان. انحصر حضور الجلسة الثانية على ممثلي المجتمع الدولي والتجمعات الإقليمية ورؤساء المفوضيات واللجان المنوط بها مراقبة الأوضاع في السودان وخرج منها ممثلو الشريكين والضيوف من أمثالنا! تحدث الأستاذ علي كرتي رئيس وفد الحكومة السودانية «ضم الوفد الدرديري محمد أحمد وأمين حسن عمر ومطرف صديق وإدريس محمد عبد القادر» بلسان عربي فصيح بدأه بشكر المجتمع الدولي لاهتمامه بأوضاع السودان ومساعدته في حل مشاكله، وأوضح فيه أن تنفيذ اتفاقية السلام قطع شوطاً بعيداً وأن طرفي الاتفاق وصلا لمرحلة حاسمة هي الاستفتاء على حق تقرير المصير الذي تلتزم حكومة السودان بإجرائه في موعده وهو التاسع من يناير 2011م حسب الجدول الذي وضعته المفوضية رغم اختلاف ذلك مع التوقيت الذي نصّ عليه قانون الاستفتاء «31/12/2009» لمراحل عملية الاستفتاء، وأن مرسوماً رئاسياً صدر بتشكيل لجنة مشتركة لمناقشة قضايا ما بعد الاستفتاء التي نصّ عليها القانون ووافقت اللجنة على أن تكون لجنة الاتحاد الإفريقي العليا لمتابعة التنفيذ برئاسة ثابو أمبيكي هي الجهة الميسرة «facilitator» لعملية التفاوض بين الشريكين بدعم من الإيقاد والأمم المتحدة، وتكونت أربعة فرق عمل للنظر في الموضوعات المختلفة. وتبقى من قضايا اتفاقية السلام: استفتاء منطقة أبيي وترسيم الحدود التي اتفق على 80% منها والمشورة الشعبية وإعادة انتشار الجيش الشعبي وستنعقد اجتماعات في الخرطوم بدءاً من الأحد 7/11 وربما تتواصل في جوبا لمعالجة هذه القضايا. وطمأن الاجتماع بأن الأوضاع الأمنية بين الشمال والجنوب مستقرة رغم بعض الظواهر السالبة، ولا يستدعي الوضع زيادة الوجود العسكري الداخلي أو الخارجي على الحدود بل قد يزيد ذلك من التوتر في المنطقة، وأن حكومة الوحدة الوطنية تستقبل الاستفتاء بالعمل من أجل الوحدة إيفاءً ببنود اتفاقية السلام وتمشياً مع دستور وسياسات الاتحاد الإفريقي حتى يكون السودان نموذجاً للقارة الإفريقية في منع التمزق والانشقاق. وكان العرض مختصراً ومترابطاً ومقنعاً. وتحدث باسم حكومة الجنوب الأستاذ باقان اموم «ضم الوفد دينق ألور وكوستا منيبي» الذي تحدث بلغة انجليزية سليمة وسلسة شكر فيها الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة للدعوة لهذا الاجتماع وذكر الحاضرين بأنه قد تبقي لإجراء الاستفتاء 66 يوماً فقط، وطالب بمضاعفة الجهود لحل ما تبقى من مشكلات وهي: بروتوكول أبيي وتنفيذ حكم هيئة التحكيم الدولي وترسيم الحدود وإجراء الاستفتاء في وقته «لم يعلق على نقطة علي كرتي بإعادة انتشار الجيش الشعبي». وطلب دعم مفوضية الاستفتاء بالمال لأن حكومة السودان لم تف بالتزامها المالي تجاه المفوضية في حين أن حكومة الجنوب دفعت نصيبها كاملاً ويمكن أن تزيد عليه؛ ووعد بأن يكون مناخ الاستفتاء في الجنوب حراً ونزيهاً تكفل فيه الحرية لدعاة أيٍ من الخيارين بما فيهم شباب المؤتمر الوطني الذين يجوبون أعالي النيل في هذه الأيام دعاة للوحدة مع أن المتظاهرين من أجل الانفصال قد تم اعتقال بعضهم في الخرطوم «باقان يعلم أن المؤتمر الوطني لديه حساسية خاصة من التظاهر المعارض في الشوارع ولو كان المتظاهرون من قيادات الحركة العليا مثل ياسر عرمان وباقان موم!»، وقال إن عدم ترسيم حدود أبيي وفقاً لقرار هيئة التحكيم سببه رغبة المؤتمر الوطني بإشراك المسيرية في التصويت رغم أن المنطقة مقفولة لأهلها دينكا نوك ولكن الحركة الشعبية مستعدة للتعاون في حل المشكلة؛ وعندها دوت له القاعة بالتصفيق مما يعني أن المطلوب من الحركة التنازل عن موقفها المتزمت ضد المسيرية! وبخصوص ترسيم الحدود قال بأن المناطق المختلف عليها «خمس مناطق هي: جودة، جبل المقينص، كاكا التجارية، كافيا كنجي، حدود الهبانية مع دينكا ملوال» يمكن الاستعانة بالأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وبريطانيا في حلها حسب حدود 1/1/ 1956 أو اللجوء للتحكيم الدولي بشأنها. وقال إن الحركة مستعدة لمناقشة قضايا ما بعد الاستفتاء حتى ولو تم الانفصال لأننا نريد أن نعيش متجاورين في علاقة حسنة مع بعضنا البعض لمصلحة الشمال والجنوب، والأفضل أن نتبع منهجاً تكاملياً في مناقشة كل القضايا بمساعدة اللجنة العليا للاتحاد الإفريقي. كان باقان ذكياً في عرضه الذي لم يخلو من «فهلوة» سياسية رغم أنه ظل يكتب فيه حتى اللحظة الأخيرة قبل المداخلة. عند فتح باب الأسئلة والملاحظات جاءت التعليقات من ممثلي منظمة المؤتمر الإسلامي وأثيوبيا والأمين العام للأمم المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا والجامعة العربية والاتحاد الأوربي والصين وايطاليا ومصر وألمانيا واليابان وكندا. تركزت الملاحظات على ضرورة إكمال ما تبقى من قضايا حتى يتحقق السلام وهي تحتاج إلى تسويات شجاعة من الطرفين ولم ينس كل ممثل أن يذكر ما قدمته بلاده أو منظمته في سبيل دعم السلام في السودان، ولم يتوانَ بعض ممثلي الدول الأوربية من مطاعنة حكومة السودان في مجال ابتدار العنف في دارفور وملاحقة منظمات المجتمع المدني «هيئة محاميي دارفور» وعدم محاكمة مرتكبي جرائم دارفور وحشد قوات على الحدود مع الجنوب رغم أن مبعوث الأمين العام قال إنها حشود دفاعية ومحدودة من الطرفين، والسعي لشراء الأسلحة. كنت أظن أن رد علي كرتي كان ساخناً أكثر مما ينبغي على هذه المطاعنات الهامشية ولكن اثنين من قدماء الدبلوماسيين المستقلين من ذوي الخبرة الطويلة في المحافل الدولية وقد حضرا الاجتماع قالا لي إن هذا هو الرد المطلوب على هؤلاء الناس الذين يكيلون بمكيالين في كل الأمور التي تخصنا! واعترف معظم المتحدثين بأن تنفيذ الاتفاقية قطع شوطاً كبيراً وان الطرفين اتسما بروح ايجابية رغم صعوبة بعض المشكلات. كانت مداخلة الدرديري عن قضية أبيي جيدة ومتماسكة ومقنعة مما دفع باقان اموم للرد المطول عليه بقوله إن المسيرية يجاورون الدينكا أصحاب الأرض ولا يحق لهم التصويت في الاستفتاء، ولكنه لم يستطع الرد على أن المسيرية منحوا 2% من عائد نفط أبيي وأشركوا في إدارة المنطقة «رئيس الإدارة من الحركة والمعتمد من المسيرية» بموافقة الحركة الشعبية وذكروا في البروتوكول وفي قانون الاستفتاء تحت مسمى «السودانيون الآخرون المقيمون في المنطقة» ، وفي المذكرة التي رفعت لهيئة التحكيم الدولية. دار الحديث عن دارفور أساساً حول استراتيجية الحكومة الجديدة ومحاورها الرئيسة: الأمن، عودة النازحين واللاجئين، التنمية، المصالحات القبلية، المفاوضات من منبر الدوحة، الحوار الداخلي في دارفور مع الأجهزة المنتخبة ومنظمات المجتمع المدني. كان التعليق أن الاستراتيجية جيدة ولكن نريد تغييراً ايجابياً على الأرض. الجلسة الثانية التي لم يسمح لغير الممثلين الدوليين بحضورها اشتملت على تقارير من المبعوث الخاص للأمين العام ورئيس مفوضية التقدير والتقويم ورئيس اللجنة العليا للاتحاد الإفريقي، وحددت موضوعات النقاش بالمسائل الآتية: أبيي، الحدود، الأمن، المشورة الشعبية، قضايا ما بعد الاستفتاء. وكان حضور الملتقى تجربة مفيدة لنا في المنظمة الوطنية حتى نطور أطروحتنا في موضوع العلاقة بين الشمال أو الجنوب في حالتي الوحدة أو الانفصال، كما كان لقاؤنا مع السيد بركة سيمون مستشار الرئيس ملس زيناوي في مكتبه المتواضع لساعة كاملة ممتعاً ومفيداً عرفنا فيها الكثير عن تجربة أثيوبيا في إدارة التنوع العرقي والثقافي وعن رؤيتهم لعلاقة أثيوبيا بالسودان وحرصها على وحدة السودان واستقراره. ولعلي أعود لهذا الموضوع في مرة قادمة إن شاء الله. الصحافة