تراسيم بعيدا عن عين الحكومة !! عبدالباقى الظافر [email protected] وجهتنا إلى منحنى النيل شمالا..هذه منطقة ابوضلوع ..قبل اكتمال تعبيد الشارع كانت هذه المسافة القصيرة تستغرق ضحوية ..الان على أبوابها رجال يتحصلون قيمة استخدام الطريق السريع ..نقدتهم بضع جنيهات دفعتهم فى سرور ..مبلغ متواضع لخدمة مستحقة . لا يوجد ازدحام على طريق شريان الشمال..محدثي له تبرير غريب ..هذه الشارع لا تسلكه شاحنات ضخمة كرصفائه من الطرق العابرة ..الحقيقة ان الشارع الذى يبدو لولوبيا فى بعض الأحيان خدم الأمة السودانية ..على ظهره حمل الالاف الآلات التي شيدت مشروع سد مروى . الفت القرية الطيب أهلها عشاءا ..البيوت الطينية يلفها سكون عجيب ..قاطنيها يقتصدون في نعمة الكهرباء لأنهم جديد عهد بها..على كل حال الكهرباء الآن تضيء البيوت ولا تسقى المزارع . هذا بيت جدي الكبير..هنا تنعكس حكمة راوي موسم الهجرة الى الشمال..في السابق كلما فاضت الحقول قمحا بنى اهلى غرفة طين جديدة ..الحال تغير ..كلما أطوف عليهم أراهم قد استغنوا عن بعض الحجرات ..امى أصبحت تعيش في محيط خالي من السكان ..الموت اخذ الكبار ..ما تبقى من السكان المزارع لا تسعهم ..الناس تهاجر إلى الخرطوم ..لا توجد منطقة وسطى بين قريتي والعاصمة. امى هزمها الزمن لم تعد منتصبة كما كانت في السابق ..مراح الأنعام لم يعد عامرا.. اضطروا إلى شراء الأضحية هذا العام ..شقيقي الأكبر يقدم تفسيرا منطقيا ..يحسب أنهم ضحايا مشروع سد مروى ..بحيرة السد التي تقع جنوب قريتي باتت تتحكم في مستوى مياه النهر ..الجروف الفيضية باتت جدباء . امى بدأت تعد براحة يدها اليسرى عدد الذين توفاهم الله في غيبتي ..على ان ازور كل هؤلاء قبل بزوق فجر العيد ..حكمة اهلى تقتضى ان يكون العيد يوم فرح لا يخالطه حزن ..الموت اخذ الكبار ..إمامة المسجد الصغير انتقلت إلى جيل جديد ..شيخ صديق كان الجناح الأيسر في فريق القرية الرياضي ..بات على (الكابتن) صديق ان يقود الناس في الصلاة بعد ان افلح في قيادتهم في الملاعب . جاء صباح العيد ..آخر أفواج زوار القرية وصلت عند الفجر ..اهلى لا يصلون صلاة العيد فى مسجد القرية الكبير ..اختاروا منتصف القرية لتجمعهم فى العيد ..مكان الصلاة يتوسط الميدان الرياضي ..يقترب من الشفخانة والمدرسة ..جاء الناس اجمعين إلى ملتقى العيد ..نساءا ورجالا ..صغارا وكبارا ..يوم استثنائي في قريتنا ..كل الفوارق الجندرية تزول ..البيوت تفتح أبوابها للزوار ..في هذا اليوم لا تحتاج لان تطرق على باب مستئذنا . فى هذه البقعة من بلدي الإنسان مظلوم ..الحكومة لا تتذكر هؤلاء المواطنين إلا فى موسم الانتخابات ..الساسة يقدمون وعودا غير قابلة للصرف..رغم ذلك اهلى في حبور ..هنا تغيب مظاهر السلطان ..لا توجد نقطة بوليس ..الأمن هنا على مسئولية صاحبه..الشفخانة لا تحمل شيئا من التطبيب إلا رنين الاسم التركي. رغم ذلك الناس سعداء..على الأقل الحكومة لا تكدر حياتهم.