أينا كان على صواب؟ عبد اللطيف البوني لقد كانت اجازة العيد طويلة وممتعة ويكفي أن نقول إن العيد اضحى مناسبة اجتماعية اكثر من أنه طقس ديني، فالشعيرة الدينية الأصلية فيه تأخذ وقتا قليلا جدا من عطلته وما تبقى يصبح توفيقا اجتماعيا لكثير من القضايا الخاصة ولكنها في النهاية لا تخرج من مجمل الثقافة العربية الإسلامية المتجذرة في كل السودان إلا الجزء الجنوبي. في هذا العيد بينما اهل السودان الشمالي يستمتعون بشيات خرافهم وشربوتهم وآخر (تجدع وتبطح) كان اخوتنا في جنوب السودان هم الآخرون آخر (زيطة وزمبريطة) وهتافات من شاكلة (وداعا للمندكورات) و(اشرقت شمس الخلاص) و(الحرية حبابها) وربما استخدم بعضهم الفوفوزيلا وهو على دراجته ذاهبا لمكاتب التسجيل ليسجل اسمه استعدادا للإدلاء بصوته لقيام الدولة الوليدة في التاسع من يناير القادم . هذا العيد كشف عن انفصال حقيقي بين الشمال والجنوب فالشمال كان غارقا في اجتماعياته والجنوب كان غارقا في السياسة. صحفنا كانت شبه متوقفة وعلى حسب علمي لم تصدر منها إلا ثلاث وفي صفحات اقل ودائرة توزيع ضيقة اما فضائياتنا فقد كانت آخر منوعات وغنائيات ودلوكات ودراميات لدرجة أن بعضها وصل مرحلة (الهشك بشك) واذاعاتنا هي الأخرى لم تقصر في الطرب والكيف. المهم في الأمر ونحن في غمرة انبساطنا فإن العالم من حولنا لم يكن تاركنا لشأننا بل (يقع ويقوم) تجهيزا للاستفتاء الذي هو اسم الدلع للانفصال ويكفي أن مجلس الأمن وفي التاريخ الذي صادف اول ايام العيد عقد جلسة خاصة على مستوى وزراء الخارجية لمناقشة الأوضاع في السودان مع بداية التسجيل للاقتراع خاطب الجلسة بان كي مون وهيلاري كلنتون وكرتي وباقان اموم وترأسها وليم هيج وزير خارجية بريطانيا وقال إن بلاده سوف تكرس فترة رئاستها لمجلس الأمن لقضايا السودان، (تطير عيشة السودان). لعل المفارقة واضحة جدا في الفقرتين ففي الخرطوم الناس يسنون في سكاكينهم ويطرِّقون في سواطيرهم ويحضرون في كوانينهم لذبح الخراف وشية العيد أما في نيويورك فيطرقون في المايكروفونات استعدادا لذبح السودان الى نصفين . لقد حيرني الأمر وما يتحير إلا مغير فسألت صديقي المحلل السياسي المعروف الأستاذ عادل إبراهيم حمد أين الصواب هل موقفنا نحن (المعيدين المهيصين) ام ناس كرتي وباقان وهيلاري كلنتون؟. فقال لي ربما نكون نحن الذين على الصواب فإن ارادة الحياة سوف تستمر وحكى لي قصة زول الشمالية التي حدثت ساعة انقلاب عبود في نوفمبر 1958 فقامت الدنيا حوله ولم تقعد وهو غير مبال فقيل له لماذا لا يهتم بالأمر والجيش استلم السلطة والجنرال عبود اصبح حاكما للسودان وعبد الله خليل انزل من السلطة والأحزاب تم حلها فقال لهم وببرود (بابور البحر\"الباخرة\" مش حا تقيف في المرسى كالعادة والجنيات \"الاولاد\" مش حا يرسلوا القروش من الصعيد؟ اذن المشكلة شنو؟) نسأل الله أن تكون كل العمليات سلاخية ويسلم (عضم) السودان ولحمه. والعيد القادم يعود والناس في شياتهم وشربوتاتهم وندى القلعة تغني (اتفقنا؟) ونصرة آخر دلوكة وبكري المدينة لا يضيع الهدف من خط ستة. السوداني