[email protected] ربما بسبب طبعي الهاديء ومسالم، والذي أكده وزاد عليه خوفي الشديد من الألفة، بوجهها الصارم ونظراتها النارية، التي تجوب بها أنحاء الفصل بحثا عن بادرة شغب، أو مجرد همسة حتى تقوم بكتابة اسم صاحبتها في قائمة المغضوب عليهم، بينما نجلس نحن في رعب نتابع نظراتها مكتفي الأيدي، وقد إنتصب أصبع السبابة منا حارسا أمام الشفتين، منعا لصدور أي همهمة أو غمغمة قد تفسر خطأ من قبل الألفة، وتؤدي الى إضافتنا للقائمة أو وضع علامة صليب أمام الإسم إذا كان أصلا موجود فيها - يزداد عدد الصلبان بزيادة معدل الشغب - وقد تستعيض عنها الألفة بملحوظة (عاصية جدا) بين قوسين وتتدرج درجات العصيان تصاعديا بزيادة عدد كلمة (جدا) المصاحبة لوصفة عاصية، فقد عشنا سنين الدراسة الأولى تحت سيطرة ونفوذ الألفة والذي يمتد حتى فسحة الفطور حيث نسعى لتملقها وكسب ودها ب(قرمة) من السندوتش وقد نضحي به كله ونبذله رشوة - ما خسارة فيها - إذا عبرت عن إستطعامها له وحاز على إعجابها، مقابل أن تغض الطرف عنا وتكفينا شرها .. أقول بسبب طبعي الهاديء، وخوفي من الألفة، ولا - أبخس نفسي حقها - برضو بسبب كون إني كنت شاطرة وكده - أقول لكل هذه الأسباب مجتمعة، حزت وطوال سنين تدرجي في السلم التعليمي على محبة أستاذاتي وبادلتهم الحب والإحترام بل وإمتدت علاقتي بالبعض منهم لتشمل التواصل الأسري. في المرحلة الإبتدائية كانت علاقتي بأستاذاتي وبحكم فارق السن فيها شبة كبير بعلاقة الأمومة، وكثيرا ما كنا نخطئ عندما نرغب في مخاطبة الأستاذة فنناديها ب(يمة) بدلا من (فضلك يا ست فلانة ) كما كنا نبتدع لهن التحايا المسجوعة، فكنا نغني لست (بخيتة) ونقول: (مدرستنا فيها نيمة .. ست بخيتة الما لئيمة) ولعل في ذلك نوع التحفيز لها على عدم ممارسة اللؤم معنا، كما كانت هناك أستاذة تدعى ست (نور) فكانت الطالبات يداهننها في التحية بالقول: (صباح النور يا ست نور يا كأس الزهور). لكن لا أظنه كان (بجيب خبر) لأنها لم تكن تتوانى عن أرسال لعناتها الصاروخية على كل مخطئة، فقد كانت عندما تطلب من إحدى الطالبات الوقوف للإجابة عن سؤال ما، ولكن الطالبة تتردد في الإنصياع للأمربالوقف - خجلا أو عدم معرفة - عندها كانت تصيح فيها قائلة: قومي أقيفي على طولك .. مالك لاصقة في الكنبة؟؟.. تلصقي في لظى. الله يطراها بالخير أصلها كانت بتعز الدعاء خالص!!! والغريبة أنها كانت ذات موهبة وبراعة في سجع الدعوات وإرسالها فوق رؤوس الطالبات حتى أنني كنت أحسب أن لسانها - والذي يتميز بوجود وحمة سوداء كبيرة عليه - قد إكتسب سواده نتيجة سابق إلتصاقه ب (نار لظى) وذلك لكثرة ما (قاعدة تدعي بها على البنات)، ورغم أنني لم أحظ بشرف التتلمذ على يديها إلا أنني - والحق يتقال - كنت بفك ليها الدرب كان لاقتني فيهو. كما كانت لنا أستاذة رياضيات ولعل إسمها كان ست (سيدة) طبعا ذاكرة الأسماء عندي شوية بدت تطشش نتيجة للخرف المبكر (جدا) - المهم - أن هذه الأستاذة كانت تمتلك كماً معتبراً من الغوائش الذهبية والتي تكتظ وتتكدس على ساعدها الأيمن، وكانت تستمتع، وللحقيقة نحنا برضو كنا بنستمتع، بصوت خشخشة وكشكشة تلك الغوائش كلما رفعت يدها لتشير إلى شئ أو تكتب على السبورة، أما ما كانت تستمتع به وحدها ودون سواها فهو صوت الخشخشة التي تصدر من غوائشها عندما تقوم بضرب بظاهر كفها إحدى الطالبات (الغلطانات) على أم ظهرها، بعد أن تقوم بالقبض على خدها والقرص عليه (جضوم فاهم) وتعقب قرصتها تلك بموسيقى اللبعات الظهرية .. كشا شو .. كشا شو ! حتى لا يحمل كلامي محمل سوء، فأنا أذكر بحقيقة أن سياسة الضرب في المدارس كانت لا غبار عليها في زماننا، بل يعض عليها بالنواجذ من الأساتذة ومن الآباء، ولا تعتبر ممارستها مما ينقص أو يقدح في كفاءة المعلم، كما هو حاصل الآن مع جيل أبنائنا المحظوظين لعدم تعرضهم ل(دق العيش) من معلميهم زي طلاب زمان .. الرأي العام