[email protected] حقائق مجردة بروفيسور عصام عبد الوهاب بوب وردت مجموعة من الأخبار تستحق الوقفة وليس الارتكاز عليها كحقائق . في مطلعها التقرير الأمريكي أن الرئيس أوباما أعطى نظيره الرئيس عمر البشير الضوء الأخضر في دارفور مقابل التزام الحكومة السودانية بإتمام الاستفتاء في جنوب السودان في يناير 2011 والالتزام بنتيجته . هذا شيئاً محيراً تماماً لكل المحللين لأن الفصائل المعارضة في دارفور اجتمعت هناك بصورة مكثفة . ودخل دكتور خليل إبراهيم إلي الجنوب عن طريق كايا علي الحدود مع يوغندا في طابور من العربات المسلحة وقابلته فصائل من الجيش الشعبي بالتهليل . وقال التقرير أيضاً أن السيناتور الأمريكي جون كيري عندما زار السودان آخر مرة قال عبارات دبلوماسية معناها أن واشنطن تريد فصل مشكلة دارفور عن مشكلة الجنوب . هذا أيضاً إساءة فهم للنوايا وبصورة معيبة . فهم الإدارة الأمريكية مختلف لأن الاتصالات الأمريكية مع حكومة البشير لا تسعي لفصل المشكلتين بقدر ما يمكن أن تسعي بشكل إستراتيجي للجمع بينهما . وهذا أمراً منطقياً حتي لو قالت التحركات شيئاً مخالفاً . حكومة جنوب السودان لها مخاوف من الانفصال أيضاً حتي مع إصرارها عليه . أول هذه المخاوف هي أن تنشأ هذه الحكومة علي حدود دولة معادية . والعداء لا يمكن أن يتبخر في الهواء حتي لو تدخلت كل دبلوماسية العلم كله . ثانياً ، الدولة الناشئة لها مطامع في أن تتوسع حدودها وهم ليسوا أغبياء إذ أن التيار العالمي في صفهم ويجب عليهم استغلاله إلي أبعد حد ممكن وبالتالي ضم كل ما يمكن من حدود السودان القديم إلي دولتهم . وبالتالي يجب ضمان وجود قوي مؤثرة في دارفور تطالب بما هو مماثل لما نالوه وهو حق تقرير المصير . لا يمكن إخفاء هذا تحت عباءة مقاومة النظام الحالي وإزالته لتحقيق مطالب مناطق مهمشة كثيرة داخل الحدود الجغرافية للسودان القديم . لأنه هدف سياسي وتنفيذاً لاستراتيجية تفتيت السودان . ويبدأ تمزيقه بتجميع الأطراف المناهضة . ثالثاً ، قال تقرير دورية فورين بوليسي ، أي السياسة الخارجية ، في واشنطن أنه لسوء الحظ هناك منطق وراء رغبة البشير في أن يحل مشكلة ويركز على مشكلة أخرى . وأن هذه هي استراتيجية الشماليين منذ عقود من السنين . هذا استنتاج غير صحيح وفي الحقيقة أنه فارغاً من المضمون . لا يوجد منطق لحل مشكلة إذا لم تكن هناك الرغبة والإرادة الحقيقية لحلها . ولا يمكن أن نقول أن أي نظام مر علي السودان اتخذ خطوات جدية لحل مشاكله بصورة جدية أو حقيقية أو حتي أن يمكن وصفها بأنها ذكية . كل الخطوات التي أتخذت كانت تأجيل وعندما جاءت اتفاقية محمد عثمان الميرغني-جون جارانج لحل مشكلة الجنوب تم تغيير النظام وتكريس الجهود لحرب طويلة قطعت أنفاس الأطراف كلها . الحقيقة الوحيدة الصحيحة التي أوردها التقرير هي أن الحكومات المتعاقبة علي السودان ظلت تهمش المناطق البعيدة . ودمرت البنية التحتية التي ربطت بينها زمن الاستعمار الإنجليزي الذي كان في وقته يمكن الاتصال بين وادي حلفا القديم وبين كايا أو كاجو كاجي أو فورابارانجا أو حلايب . وكان يربط بينها نظام بريدي ومواصلات قوية . تبخر كل هذا تدريجياً مع كل من أعقب الخواجة الإنجليزي رحمه الله وبشبش الطوبة التحت رأسه . لم يعد هناك ما يربط البلاد مع بعض إلا روابط أهلية نجحت الحكومات المتعاقبة أيضاً في تدميرها . كان ذلك من خلال سياسات فرق تسد . وبذلك سادت الغبينة والفرقة والكراهية العمياء كل روح يمكنها الجمع بين أبناء الأمة . رابعاً ، هناك خطأً لنظام الإنقاذ ذكرته تقارير أمريكية ومؤسسات أكاديمية عالمية ولا يمكنني أن أجادله وهو اتهام النظام بأنه أثري من ناحيتين هما عوائد النفط وإعلان الحروب هنا وهناك . كان السودان يعيش بدون نفط وصحيح أن الحياة كانت ضنك وصعبة ولكن الناس كانوا صابرين . وكان الحديث عن استغلال النفط إن تم استخراجه في تحسين القطاعات الاقتصادية الحقيقية أي الزراعة والصناعة . تم استخراج النفط ولم يحدث هذا علي الإطلاق ولم تتحسن أحوال المواطن المعيشية وأنعم رب العالمين علي الزراعة والصناعة برحمة الموت الإكلينيكي بعد أن ظلا ينازعان الموت ويقاوما للبقاء . وأجهز النظام عليه بأن رفع من متحصلاته الضريبية علي القطاعات الاقتصادية ثم ذبحها وأسال باقي دمها في قراراته بخصخصة ما يدعم وجود اقتصاد بحد المعني . ثم أتت القشة الأخيرة ، ليس لكسر ظهر البعير لأنه كان انكسر ومات ودفن وإنما كانت لوضعها كشاهد علي قبر الاقتصاد السوداني ورموز بقاء الأمة . تم الاتفاق علي الاستيلاء علي أراضي الناس في مشروع الجزيرة أو في أي بقاع السودان لمصلحة الدولة . هنا حدث الانفصام العقائدي الحقيقي ، هل نحن مسلمون أم غيرهم من متطرفون إلي أقصي الحدود . أين هي مصلحة الدولة في ذبح المواطن بسكين بارد ؟؟؟ حدث هنا تمزيق للعقد الاجتماعي الذي يمكن أن يجمع أمة ويصنع دولة وتحت كل نصوص فلاسفته من هوبز إلي جان جاك روسو ومن كتبه المقدسة التوراة والإنجيل والقرآن . خامساً ، الجدل العقيم الذي يدور حول أنه إذا انفصل الجنوب سيقل دخل النفط في الشمال ولكن سيمكنه الحياة والتقدم ليس مفيداً علي الإطلاق . لا يمكن أن يحلله صابر ولا علي محمود . وهو ظاهر لعيان الأعمى . سيموت الشمال ، ليس إكلينيكيا أي أن يموت عقله ويبقي ثباتاً في سريره ينتظر توقف تنفسه ويتعفن جسده ببطأ ، وإنما سيكون موتاً مؤلماً بحرمانه من الموارد الاقتصادية التي تتركز في عوائد النفط مع اغتياله لقطاعي الزراعة والصناعة . لن تكون هناك قدرة للمواطن علي دفع الضرائب وسيتجلي الجوع في أبشع مظاهره ويتبعه الانهيار الاجتماعي والسياسي . هذا انتقام مريع لا يمكن أن يكون سياسيين الجنوب أو الغرب والشرق أو حتي المعارضين تخطيطه وإنزاله لأرض الواقع ولا يمكن إلا أن يكون من جهابذة ستانفورد الذين يخططون للإدارة الأمريكية . بذلك تصبح الحرب هي الحل الوحيد الذي لن تقدر عليه الاستراتيجية الوطنية بالتفكك العقلي الذي حدث علي مر العقود والأحقاد الشخصية والذاتية السائدة . وسيتحقق سيناريو التفتت المنشود . سادساً ، تقرير فورين بوليسي الذي قد أصبح كتاباً مقروءً بشدة لدي السياسيين السودانيين كان خادعاً لأنه نص علي أن الرئيس البشير سيستغل تحول الاهتمام العالمي من دارفور إلى جنوب السودان وسيزيد من التحرش والتهديد الخفي في الإقليم الغربي . هذا يحتوي علي مطبات وفجوات يكتبها من هو بعيد عن مسرح الأحداث . حركات المعارضة هي التي تضغط حالياً علي مناطق عديدة في غرب السودان ولا يبعد أن تنقل بعض عملياتها إلي شرقه كما فعلت قوات الجيش الشعبي كما فعل جون جارانج من قبل . لها حرية التحرك في حرب عصابات علي ظهور سيارات اللاند كروز عبر بوادي السودان . وستشجعها غبينة وأحقاد سكان تلك المناطق مع ضعف روح الوطنية والدولة . وهناك العديد من المراجع التي لا نحتاجها هنا لإثبات هذا . كفي أن نقرأ رسائل ومقالات الانترنت . وحتي التقرير تراجع عن تهديده وقال أنه على المدى البعيد إذا استمر البشير في الحرب الخافتة في دارفور بعد الاستفتاء في الجنوب ستكون هناك نتائج قبيحة في دارفور، وفي كل البلاد . هذا يثبت صحة ما ثبت قوله في هذه الوثيقة وهو أن الأثر سيكون علي البلاد كلها . وقد قال أحد السياسيين المعروفين علي شاشة التلفاز أن الخرطوم نفسها مهددة بحرب وخطة سماها خطة الاقتحام العظيم . سابعاً ، حقائق أن هناك نزاع دائر وحرباً غير معلنة بين أطراف النزاع في السودان لا يمكن دحضها بمجرد الظهور في التلفاز والحديث عن الوحدة ولا يمكن أن تقلب الموية للبن . والهجوم الجوي الذي قامت به القوات السودانية المسلحة في دارفور في منتصف هذا الشهر وقصف مناطق الحدود المتنازع عليها بين الشمال والجنوب يعبر عن ذلك . وإذا كان هذا قد ترجم إلي أنه استفزاز علني وأنه ينذر ببداية مرحلة جديدة من الصراع المستمر منذ عقود بين الشمال والجنوب والعودة إلى الحرب التي تلوح في الأفق فقد حدثت استفزازات مماثلة من كل الأطراف . أما إذا قالت تقارير أنها تثير كثيرا من الفزع في المجتمع الدولي فهذا كان أمراً متوقعاً . ولكن مجرد القول الأخير يعني تهيئة لما هو قادم من تدخل . ومن خطل القول بأن هذا يتم شطبه من الشمال أو الجنوب . وإذا كان الهجوم لضرب قوات من العدل والمساواة تسللت إلي جنوب دارفور تمهيداً لفصل جديد من نقاط شن الهجوم علي مناطق جديدة فهو يعني وجود دعم لوجيستي من جيش الحركة الشعبية لهذه القوات وتنسيق ولا ينفي إمكانية حدوث تدهور عسكري كبير . الموقف في مجمله متفجر ولابد من وضع كل الاحتمالات في الاعتبار ، خاصةً أنه من خطل القول أن هناك بعض المشاكل ويمكن حلها . الحقيقة أن هناك كل المشاكل وكلها لم يتم حتي التفكير في حلها لأن الطرفين متعنتين وينتظران أن تأتيهم الحلول من الخارج كما انتظروا طوال تخطيطهم في أن يساعدهم المجتمع الدولي علي بناء وتنمية بلادهم . وقد ذكر التقرير المشئوم حلولاً قبيحة أولها التنازلات السياسية وصفقات وراء أبواب مغلقة بما يخدم مصلحة الجانبين . معني هذا أن تكون الحلول هي اتفاقات بين شريكي الحكم فقط ولا تشرك فيها الشعوب السودانية وهي التي ستكتوي بنارها إذا كانت خطأ وهي دائما أثبتت أنها كانت كذلك .