سرطان الغلاء منى أبو زيد [email protected] (الجماعة ح يخربوا لينا العرس)، هكذا تكلم جدي، عندما سمع خبر زيادة سعر رطل السكر مقدار تعريفة - قبيل ساعات من عقد قران والديَّ! - .. كان ذلك في مطلع السبعينيات .. ولم تكن تلك هواجس شيخ قلق بشأن العقد والعرض، بقدر ما كان ذلك استشرافاً لمواقف ووقفات مدينته التي يحفظ مواقفها كخطوط يديه .. وقد كان ..! امتلأت عطبرة بغبار الاحتجاج .. خرج عمال السكة حديد إلى الشوارع، ثائرين .. شاجبين .. منددين .. وما هي إلا ساعات حتى صدر قرار إلغاء زيادة سعر رطل السكر .. وبقيت التعريفة في جيب محمد أحمد، يباصر بها بعض شئون معيشته، متوكلاً لا متواكلاً، وهو يلهج بالحمد ..! الشاهد .. كانت زيادة سعر السكر مقدار تعريفة واحدة، حدثاً جللاً، كفيلاً بخروج الناس إلى الشوارع .. ووقوف البلاد على تخوم ثورة .. أما اليوم فنحن أمام صورة إذعان بائسة \"من وجهين\" .. شعب (تدجن) على الصمت واللامبالاة فبات يتفرج على استحكام الغلاء .. وحكومة تملك حق الرعاية الحصرية لارتفاع معدلات الفقر وتفاقم أعداد المتعففين المحتسبين ..! ولكن الذي فات على كليهما (الراعي الحصري والشعب الداجن) هو الثمن الباهظ لذلك الصمت المطبق .. فالمظاهرات والاحتجاجات كانت – على الأقل – متنفساً صحياً يخرج الهواء الساخن من صدور المبتلين بجور الحكومات، فبقيت الشخصية السودانية سليمة معافاة من معظم الشرور .. إلى أن قل الاكتراث وكثر الصمت وتحول الاحتجاج الراقي الديموقراطي المباشر، إلى أفظع صور الاحتجاج الصامت ..! ارتفعت معدلات الجريمة .. استشرى الفساد .. تفشت صور المعاملات غير المشروعة .. شاعت ثقافة إطلاق بعض المسميات الجاذبة كالفهلوة والشطارة على صور الغش والتدليس وغيرها من التجاوزات الأخلاقية/القانونية ..! التحليل الاقتصادي لظواهر الجرائم هو المدخل الأساسي للسيطرة على معدلات ارتفاعها .. وذلك التحليل يقول إن الفقر هو أول وأولى أسباب انتشارها .. فالجانب الوقائي من محاربة الجريمة يعتمد بالضرورة على توفير الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الملائمة .. استحكام الغلاء هو السبب المباشر لارتفاع معدلات الجرائم الجنسية .. هو سبب تفاقم صور الانحلال الاخلاقي .. وهو السبب في كثرة أعداد أطفال المايقوما .. وهو السبب في نشوء ومن ثم نمو معظم حركات التمرد ..! الدولة التي تعيش استقرار اقتصاديا لا تعيش اضطرابا امنيا .. والعلاقة الطردية بين الاستقرار الاقتصادي والسياسي معلومة .. أما الحكومة التي ينام ضميرها لأنها بمأمن ثورات الداجنين فلتتذكر دعوات المتعففين الواجمين في جوف الليل ..! اتقوا الله في عباده .. حاصروا طوفان الانحلال بمحاربة استحكام الغلاء .. ولتحذروا شعباً لا يسأل فيه رجل امرأة تعوله .. من أين لك هذا ..؟! ولاغرو .. فالجرائم الاجتماعية هي عشيقة الجوع الكافر، والحد من انتشارها، يقتضي رجمهما معاً ..! منى أبو زيد [email protected]